للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك كانَ غيرَه، ولا دلالَةَ في ظاهرِ القرآنِ، ولا في أثرٍ عن الرسولِ ثابتٍ أيَّ أصنافِ العذابِ كانَ ذلك. فالصَّوابُ مِنْ القولِ فيه أن يُقالَ كما قالَ جلَّ ثناؤُه: أنزلَ عليهم رِجزاً مِنْ السَّماءِ بفِسْقِهم. غيرَ أنَّه يغلِبُ على نَفسي صِحَّةُ ما قالَه ابنُ زيدٍ؛ للخبرِ الذي ذكَرتُ عن رسولِ الله في إخبارِه عن الطَّاعونِ أنَّه رِجزٌ، وأنَّه عُذِّبَ به قومٌ قبلنا، وإن كُنْتُ لا أقولُ إنَّ ذلك كانَ يقيناً؛ لأنَّ الخبرَ عن رسولِ الله لا بَيانَ فيه أيُّ أُمَّةٍ عُذِّبَتْ بذلك، وقد يجوزُ أن يكونَ الذين عُذِّبوا به كانوا غيرَ الذين وصَفَ اللهُ صِفتَهُم في قولِه: ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ﴾ [البقرة: ٥٩]» (١)، وقولُه في قولِه تعالى ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾ [التكاثر: ١]: «يقولُ تعالى ذِكرُه: ألْهاكُم أيُّها النَّاسُ المُباهاةُ بكَثْرَةِ المالِ والعَدَدِ عن طاعةِ ربَّكم، وعمَّا يُنجيكم مِنْ سَخطِه عليكم. وبنَحوِ الذي قُلْنا في ذلك قالَ أهلُ التَّأويلِ .. ، ورُوِيَ عن النَّبي كلامٌ يدُلُّ على أنَّ معناه التَّكاثُرُ بالمالِ» (٢)، ثُمَّ أسنَدَ حديثَيْن في معنى ذلك، ولم يذهَبْ إلى ما فيهِما مِنْ التَّخصيصِ. ومثلُ ذلك قولُه: «والذي هو أَوْلى بتأويلِ هذه الآيةِ عندي، أعْني: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: ٦] أن يكونَ معنيّاً به: وفِّقنا للثباتِ على ما ارتضَيْتَه ووَفَّقْتَ له من أنْعمتَ عليه مِنْ عِبادِك؛ مِنْ قولٍ وعملٍ، وذلك هو الصِّراطُ المُستقيمُ .. ، وقد اختلَفَ تراجِمَةُ القرآنِ في المَعنيِّ بالصِّراطِ المُستقيمِ، يشملُ معانيَ جميعِهم في ذلك ما أخبَرْنا مِنْ التَّأويلِ فيه. ومِمَّا قالَتْه في ذلك ما رُوِيَ عن عليِّ بن أبي طالبٍ ،


(١) جامع البيان ١/ ٧٣١.
(٢) جامع البيان ٢٤/ ٥٩٨.

<<  <   >  >>