للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانياً: مقدارُ ما بيَّنَته سُنَّةُ رسولِ الله مِنْ القرآنِ كثيرٌ جِدّاً، وقد نصَّ على ذلك ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) بقولِه: «ولو كانَ تأويلُ الخبرِ عن رسولِ الله أنَّه كانَ لا يُفسِّرُ مِنْ القرآنِ شيئاً إلا آياً بعدَدٍ- هو ما يسبِقُ إليه أَوهامُ أهلِ الغباءِ مِنْ أنَّه: لم يكُن يُفسِّرُ مِنْ القرآنِ إلا القليلَ مِنْ آيِه، واليَسيرَ مِنْ حُروفِه = كانَ إنَّما أُنْزِلَ إليه الذِّكرُ ليَترُكَ للنّاسِ بيانَ ما نُزِّلَ إليهِم، لا ليُبَيِّنَ لهم ما أُنْزِلَ إليهِم» (١)، ثُمَّ استدلَّ لذلك بقولِه: «وفي أمرِ الله جلَّ ثناؤُه نبيَّه ببلاغِ ما أَنزلَ إليه، وإعلامِه إيّاه أنَّه إنَّما نزَّلَ إليه ما أنزلَ ليُبيِّنَ للنّاسِ ما نُزِّلَ إليهِم، وقيامِ الحُجَّةِ على أنَّ النَّبي قد بلَّغَ وأدّى ما أُمرَه اللهُ ببلاغِه وأدائِه على ما أمرَه به، وصِحَّةِ الخبرِ عن عبد الله بن مسعودٍ بقيلِه: كانَ الرَّجلُ مِنّا إذا تعلَّمَ عشرَ آياتٍ لم يُجاوِزْهنَّ حتى يعلَمَ معانيَهنَّ والعملَ بِهنَّ = ما يُنبئُ عن جهلِ من ظنَّ أو توهَّمَ أنَّ معنى الخبرِ الذي ذَكَرنا عن عائِشَةَ، عن رسولِ الله : أنَّه لم يكُنْ يُفسِّرُ مِنْ القرآنِ شيئاً إلا آياً بعدَدٍ. هو: أنَّه لم يكُنْ يُبيِّنُ لأمَّتِه مِنْ تأويلِه إلا اليَسيرَ القليلَ مِنه. هذا مَعَ ما في الخبرِ الذي رُويَ عن عائِشةَ مِنْ العلَّةِ التي في إسنادِه التي لا يجوزُ معها الاحتجاجُ به لأحدٍ مِمَّنْ علِمَ صحيحَ سندِ الآثارِ وفاسدَها في الدِّينِ» (٢).

ثالثاً: يجِدُ المُطالِعُ لمجموعِ كلامِ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) عن الأحاديثِ النَّبويَّةِ بياناً دقيقاً عن ضوابِطِ قبولِ الأخبارِ ورَدِّها، كما أكَّدَتْ تطبيقاتُه تلك الضوابطَ بوضوحٍ؛ فقد بلغَتْ الأحاديثُ التي


(١) جامع البيان ١/ ٨٢.
(٢) جامع البيان ١/ ٨٢. وستأتي الإشارةُ -إن شاءَ الله- إلى تحديدِ نوعِ ذلك البيانِ النَّبويِّ (ص: ٣٠٤).

<<  <   >  >>