للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيُفيدُ في الاستشهادِ على المعاني، ولا يلزمُ المَصيرَ إليه، وقد يتقدَّمُه غيرُه مِنْ الأدلَّةِ، وهذا واضِحٌ مِنْ صنيعِ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) في تفسيرِه، حيثُ يذكرُ الحديثَ مِنْ ضِمنِ أدلَّةِ الأقوالِ، ولا يصيرُ إليه دونَ غيرِه، ويؤخِّرُ دليلَ السُّنَّةِ أحياناً؛ لعدمِ صراحتِه في كُلِّ ذلك، ومِنه قولُه عندَ قولِه تعالى ﴿فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [البقرة: ٥٩]: «فالصَّوابُ مِنْ القولِ فيه أن يُقالَ كما قالَ جلَّ ثناؤُه: أنزلَ عليهم رِجزاً مِنْ السَّماءِ بفِسْقِهم. غيرَ أنَّه يغلِبُ على نَفسي صِحَّةُ ما قالَه ابنُ زيدٍ؛ للخبرِ الذي ذكَرتُ عن رسولِ الله في إخبارِه عن الطَّاعونِ أنَّه رِجزٌ، وأنَّه عُذِّبَ به قومٌ قبلنا، وإن كُنْتُ لا أقولُ إنَّ ذلك كانَ يقيناً؛ لأنَّ الخبرَ عن رسولِ الله لا بَيانَ فيه أيُّ أُمَّةٍ عُذِّبَتْ بذلك، وقد يجوزُ أن يكونَ الذين عُذِّبوا به كانوا غيرَ الذين وصَفَ اللهُ صِفتَهُم في قولِه: ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ﴾ [البقرة: ٥٩]» (١)، وفي بيانِ قولِه تعالى ﴿وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى﴾ [البقرة: ٥٧] ذكرَ ثمانيةَ أقوالٍ، واستشهدَ لبعضِها بقولِه: «وتظاهرَتْ الأخبارُ عن رسولِ الله أنَّه قالَ: «الكَمْأَةُ مِنْ المَنِّ، وماؤها شفاءٌ للعَينِ» (٢) (٣)، وذكرَه في أواخِرِ الأقوالِ في معنى الآيةِ، ولم يُقدِّمه على غيرِه في الاختيارِ، أو يَرُدّ ما خالَفَه.

تاسعاً: لا يجوزُ أن يُنسَبَ إلى النَّبي على سبيلِ الجَزمِ إلا ما


(١) جامع البيان ١/ ٧٣١.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه ٧/ ١٢٦ (٥٧٠٨)، ومسلم في صحيحه ٥/ ٢٠٢ (٢٠٤٩).
(٣) جامع البيان ١/ ٧٠٠ - ٧٠٤. وينظر: ٢/ ١٦٤، ٤/ ٣٣١، ١٠/ ٢٤٨، ١٥/ ١٢٤، ٥٤٥، ٢٠/ ٣٥٢.

<<  <   >  >>