للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - الإجماعُ المُمَهِّدُ لدليلِ المعنى، فهو هنا: دليلُ الدَّليلِ؛ وصورتُه: أن يَذكرَ الإجماعَ على إحدى مُقدِّماتِ الدَّليلِ الذي يريدُ الاستدلالَ به على المعنى، فالإجماعُ هنا ليسَ هو الدَّليلُ لصِحَّةِ المعنى أو بُطلانِه، وإنَّما خادمٌ للدَّليلِ المُباشِرِ على المعنى، ومُمَهِّدٌ له، ويُقدِّمُه مِنْ هذا الوجهِ. ووجودُ هذا النَّوعِ مِنْ الإجماعِ في سياقِ الاحتجاجِ به على المعنى لا يوجِبُ الأخذَ به، أو تحريمَ مُخالفتِه، وإنَّما النَّظرُ في دليلِه الذي مُهِّدَ له به، ومثالُه قولُ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) في قولِه تعالى ﴿وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ﴾ [النور: ٨] بعدَ أن اختارَ أنَّه الحَدُّ: «وإنَّما قُلنا الواجبُ عليها إذا هي امتنعَت مِنْ الالْتعانِ بعدَ الْتِعانِ الزَّوجِ: الحَدُّ الذي وصَفْنا؛ قياساً على إجماعِ الجميعِ على أنَّ الحَدَّ إذا زالَ عن الزَّوجِ بالشَّهاداتِ الأربعِ، على تصديقِه فيما رماها به = أنَّ الحَدَّ عليها واجِبٌ» (١)، وقولُه في قولِه تعالى ﴿فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا﴾ [الصافات: ٢]: «والذي هو أَوْلى بتأويلِ الآيةِ عندنا ما قالَه مُجاهدٌ، ومَن قالَ: هُمْ الملائِكةُ؛ لأنَّ الله جلَّ ثناؤُه ابتدأَ القَسَمَ بنوعٍ مِنْ الملائِكةِ؛ وهُم الصَّافّون. بإجماعٍ مِنْ أهلِ التَّأويلِ، فلَأن يكونَ الذي بعدَه قَسَماً بسائِرِ أصنافِهم أشْبَه» (٢)، فدليلُ الإجماعِ في هذين المثالَيْن جاءَ مُمَهِّداً للاستدلالِ بنظيرِ المعنى، وبالسّياقِ.


(١) جامع البيان ١٧/ ١٨٧.
(٢) جامع البيان ١٩/ ٤٩٤. وينظر: ٥/ ٥٦٩، ٦/ ٤٠٧، ٥٩٥، ٧/ ٦٧٣، ٨/ ١٨١، ٤٠١، ٤٠٢، ١١/ ٥١٤.

<<  <   >  >>