للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تقليداً مِنه لمّا قالَ أبو جعفر: أجمعوا، وأجمعَت الحُجَّةُ على كذا. ثُمَّ قالَ في تصديرِ بابِ الخِلافِ: ثُمَّ اختلفوا فقالَ مالكٌ، وقالَ الأوزاعيُّ كذا، وقالَ فلانٌ كذا = أن الذين حكى عنهم الإجماعَ هم الذين حكى عنهم الاختلافَ، وهذا غلطٌ مِنْ ابنِ داود، ولو رجعَ إلى كتابِه في رسالةِ (اللطيفِ)، وفي رسالةِ (الاختلافِ)، وما أَودعَه كثيراً مِنْ كُتُبِه؛ مِنْ أنَّ الإجماعَ هو: نقلُ المُتواترين لِما أجمعَ عليه أصحابُ رسولِ الله مِنْ الآثارِ، دون أن يكونَ ذلك رأْياً ومأْخوذاً مِنْ جِهةِ القياسِ = لعلِمَ أنَّ ما ذهبَ إليه مِنْ ذلك غلطٌ فاحِشٌ، وخطأٌ بيِّنٌ» (١)، وما فهمَه ياقوتُ (ت: ٦٢٦) مِنْ معنى الإجماعِ عندَ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) لا يكادُ ينطبقُ على مذهبِ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) الذي نصَّ عليه، وسارَ عليه باطِّرادٍ؛ فاشتراطُ التّواترِ، وقصرُ الإجماعِ على طبقةِ الصَّحابةِ = كُلُّ ذلك مِمّا يُخالفُ منهجَ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) فيه، وسيأتي بيانُ ذلك -بإذنِ الله- في شروطِ الإجماعِ، وربَّما كانَ بعضُ ذلك رأْياً لابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) في أوَّلِ أمرِه وتأليفِه، فكتابُ (الاختلافِ) «أوَّلَ ما صَنَّفَ مِنْ كُتُبِه» (٢)، ثُمَّ تحرَّرَ له سواه بعد ذلك.

وقد أفادَ هذا النَّصُّ فيما أفادَ: أنَّ الخطأَ في فهمِ معنى الإجماعِ عند ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) قديمٌ؛ ولعلَّ مردَّ ذلك إلى أنَّ تعريفَه للإجماعِ لم يكُنْ ظاهراً مُتداولاً في عامَّةِ كُتُبِه، وربَّما أبانَ عنه ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) في بعضِ كتبِه في الأصولِ غيرَ أنَّها لم تشتهِرْ عنه، أو فُقِدَتْ مُبكِّراً فيما


(١) معجم الأدباء ٦/ ٢٤٥٧.
(٢) معجم الأدباء ٦/ ٢٤٥٨.

<<  <   >  >>