للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُقدِّمَ لقولِ السَّلفِ بقولِه: «وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قالَ أهلُ التَّأويلِ» (١)، فلا ينقُلُ في معنى الآيةِ إلا عمَّن كانَ مرضيّاً قولُه في التَّفسيرِ، وكانَ أهلاً له، ويشهدُ لذلك وصفُه لهم ب (الحُجَّةِ) عند قولِه تعالى ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى﴾ [البقرة: ٣٨]: «وذلك أنَّ ظاهرَ الخطابِ بذلك إنَّما هو للّذين قالَ لهم جلَّ ثناؤُه ﴿اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا﴾ [البقرة: ٣٨]، والذين هُمْ مَنْ سمَّيْنا في قولِ الحُجَّةِ مِنْ الصَّحابةِ والتّابعين الذين قدَّمْنا الروايةَ عنهم» (٢)، وهو بذلك التّعبيرِ يُخرجُ نوعَيْن مِنْ المتكلِّمين في التَّفسيرِ:

أوَّلهما: مَنْ لم يكُنْ مِنْ أهلِ هذا العلمِ؛ كأهلِ اللُّغةِ مثلاً، فإنَّ ابنَ جريرٍ (ت: ٣١٠) يُفرِدُهم بالذِّكرِ عن أهلِ التَّأويلِ، ويُميّزُ قولَهم عن قولِهم -كما سيأتي بيانُه-.

ثانيهما: مَنْ لم يكُنْ مرضيّاً في هذا العلمِ، فإنَّ ابنَ جريرٍ (ت: ٣١٠) لا يضمُّ قولَه مع قولِ الحُجَّةِ مِنْ أهلِ التَّأويلِ مِنْ السَّلفِ، وإذا رأى ذكرَ قولِه فإنَّه يُلحِقُه بعدَ تمامِ بيانِ الآيةِ، ويُبهِمُ قائلَه، ويورِدُه بصيغةٍ تومئُ إلى كونِه مَرجوحاً، أو ضَعيفاً مُنكراً، ومِن ذلك قولُه: «وقد زعمَ بعضُهم أنَّ معنى قولِه ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: ٦]: أسلِكْنا طريقَ الجنَّةِ في المعادِ. أي: قدِّمنا له، وامضِ بنا إليه. كما قالَ جلَّ ثناؤُه ﴿فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٢٣]، أي: أدخِلوهم النّارَ. كما تُهدى


(١) جامع البيان ١/ ٦٢٤. وينظر: ٢/ ٢٠، ٨٨، ٥١٧، ٤/ ٥٦٢، ٥/ ٣١، ١١/ ٥٣، ١٣/ ١٨، ١٩/ ٤٥٥.
(٢) جامع البيان ١/ ٥٩٠.

<<  <   >  >>