للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سببِ نزولٍ، ثُمَّ قالَ: «هذا الحديثُ وأشباهُه مُسندةٌ عن آخِرِها وليست بمَوقوفةٍ، فإنَّ الصحابيَّ الذي شهدَ الوحيَ والتَّنزيلَ، فأخبرَ عن آيةٍ مِنْ القرآنِ أنَّها نزلَت في كذا وكذا = فإنَّه حديثٌ مُسندٌ» (١).

ومِن شواهدِ تقديمِ أقوالِ الصَّحابةِ في أسبابِ النُّزولِ في تفسيرِ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) قولُه: «وأَوْلى هذه الأقوالِ في ذلك عندي بالصَّوابِ أن يُقالَ: عُنيَ بذلك: ﴿لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ﴾ [المائدة: ٤١] قَومٌ مِنْ المنافقين، وجائزٌ أن يكونَ كانَ مِمَّنْ دخلَ في هذه الآيةِ ابنُ صوريّا (٢)، وجائِزٌ أن يكونَ أبو لُبابةَ، وجائِزٌ أن يكونَ غيرُهما، غيرَ أنَّ أثبتَ شيءٍ رُويَ في ذلك ما ذكرناه مِنْ الرِّوايةِ قبلُ عن أبي هريرةَ والبراءِ بنِ عازبٍ؛ لأنَّ ذلك عن رجُلَيْن مِنْ أصحابِ رسولِ الله ، وإذا كانَ ذلك كذلك، كانَ الصَّحيحُ مِنْ القَولِ فيه أن يُقالَ: عُنيَ به عبدُ الله بن صوريّا» (٣)، وقولُه: «والصَّوابُ مِنْ القَولِ في ذلك عندنا أنَّ الذي قالَه مسروقٌ في تأويلِ ذلك أشْبَه بظاهرِ التَّنزيلِ؛ لأنَّ قولَه ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ﴾ [الأحقاف: ١٠] في سياقِ توبيخِ الله تعالى ذِكرُه مُشرِكي قُريشٍ، واحتجاجاً لنبيِّه ، وهذه الآيةُ نظيرةُ سائِرِ الآياتِ قبلَها .. ، غيرَ أنَّ الأخبارَ قد وردَتْ عن جماعةٍ مِنْ أصحابِ رسولِ الله بأنَّ ذلك عُنيَ به عبدُ الله بن سلامٍ، وعليه أكثرُ أهلِ


(١) معرفة علوم الحديث (ص: ١٤٩). وينظر: تدريب الرّاوي ١/ ١/ ٢٨٨.
(٢) هو عبد الله بن صوريّا الأعور، مِنْ أعلمِ يهودَ بالتّوراةِ زمنَ رسولِ الله ، وقد ارتدَّ بعد إسلامِه، وذَكرَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) خبرَه قبل ذلك في جامع البيان ٨/ ٤١٤. وينظر: السيرة النبوية، لابن هشام ١/ ٥٦٤.
(٣) جامع البيان ٨/ ٤١٩.

<<  <   >  >>