للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقلتُ لهم ظُنّوا بأَلفَيْ مُدجَّجٍ … سَراتُهمُ في الفارسيِّ المُسَرَّدِ

يعني بذلك: تيَقَّنوا أَلفَيْ مُدجَّجٍ تأتيكُم. وقولُ عمِيرةَ بن طارقٍ (١):

بأنْ تَغتَزوا قَوْمي وأَقْعُدَ فيكمُ … وأَجْعلَ مِنّي الظَّنَّ غَيْباً مُرَجَّماً

يعني: وأَجْعلَ مِنّي اليقينَ غَيْباً مُرَجَّماً. والشَّواهدُ مِنْ أشعارِ العربِ وكلامِها على أنَّ الظَّنَّ في معنى اليقينِ أكثَرُ مِنْ أن تُحصى، وفيما ذَكَرْنا لمَن وُفِّقَ لفَهمِه كِفايَةٌ» (٢)، وقولُه في قولِه تعالى ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ [القيامة: ٢٩]: «وأَوْلى الأقوالِ في ذلك بالصِّحَّةِ عندي قولُ مَنْ قالَ: معنى ذلك: والتفَّت ساقُ الدُّنيا بِساقِ الآخرةِ، وذلك شِدَّةُ كربِ الموتِ بشِدَّةِ هَوْلِ المَطْلعِ؛ والذي يدُلُّ على أنَّ ذلك تأويلُه قولُه ﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾ [القيامة: ٣٠]، والعربُ تقولُ لكُلِّ أمرٍ اشتدَّ: قد شمَّرَ عن ساقِه، وكشفَ عن ساقِه، ومِنه قولُ الشّاعرِ (٣):

فإذْ شمَّرَتْ لك عن ساقِها … فوَيْهاً رَبيعَ ولا تَسْأمِ» (٤).

الثانيةُ: ذِكرُ اللُّغةِ مباشرةً على سبيلِ التَّدليلِ، ومِن ذلك قولُه في قولِه تعالى ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ


(١) عميرَة بن طارق بن حصينة اليَربوعيّ التَّميميّ، شاعرٌ فارسٌ. ينظر: نهاية الأرب ١٥/ ٣٨٣.
والبيتُ في شرح نقائض جرير والفرزدق (ص: ٢١٦، ٩٠٦)، والأضداد (ص: ١٤).
(٢) جامع البيان ١/ ٦٢٣.
(٣) هو قيس بن زهير، كما في لسان العرب ١٧/ ٤٦٢، والأغاني ١٧/ ١٤٤؛ والقافيةُ فيه مضمومةٌ.
(٤) جامع البيان ٢٣/ ٥٢٢. وينظر: ١/ ٣٤٤، ١٩/ ٦٣٣، ٢١/ ٣٢٩، ٥٩٨، ٢٤/ ٧٥٦.

<<  <   >  >>