للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«وأوَّلُ ما نبْدأُ به مِنْ القيلِ في ذلك الإبانةُ عن الأسبابِ التي البدايةُ بها أَولى، وتقديمُها قبلَ ما عداها أحْرى؛ وذلك البيانُ عمّا في آيِ القرآنِ مِنْ المعاني التي مِنْ قِبَلِها يدخُلُ اللَّبسُ على مَنْ لم يُعانِ رياضةَ العلومِ العربيَّةِ، ولم تستَحْكِم معرفتُه بتصاريفِ وُجوهِ مَنْطقِ الألْسُنِ السَّليقيَّةِ الطَّبيعيَّةِ» (١).

وقد ظهرَ أثرُ تمكُّنِ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) في علومِ العربيَّةِ في كُلِّ تفسيرِه؛ فسلامةُ لُغتِه، وبلاغةُ عبارتِه، ودِقَّةُ ألفاظِه، وجَوْدةُ قياسِه، وتحريرُ مسائلِه اللغويَّةِ والتَّفسيريَّةِ، ومنهجُ استدلالِه بدليلِ اللُّغةِ في تفسيرِه = كُلُّ ذلك أثرٌ مِنْ آثارِ إمامتِه في علمِ اللُّغةِ، وتقدُّمِه فيه، ولا أدلَّ على ذلك مِنْ شهادةِ إمامِ الكوفيّين في عصرِه أبي العبّاسِ ثعلبَ (ت: ٢٩١) له بقولِه: «ذاكَ مِنْ حُذّاقِ مذهبِ الكوفيّين» (٢)، قالَ ابنُ مجاهدٍ (ت: ٣٢٤): «وهذا كثيرٌ من أبي العباسِ ثعلبَ؛ لأنَّه كانَ شديدَ النَّفْسِ، قليلَ الشَّهادةِ لأحدٍ بالحِذقِ في عِلمِه» (٣)، وقد عارضَ اللُّغويُّ المُبرِّزُ أبو عمرَ الزّاهدُ، المشهورُ بغُلامِ ثعلبَ (ت: ٣٤٥) تفسيرَ ابنَ جريرٍ (ت: ٣١٠) مِنْ أوَّلِه إلى آخرِه فما رأى فيه حرفاً واحداً خطأً في نحوٍ ولا لُغةٍ (٤).

وقد كانَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) حافظاً بارِعاً للشِّعرِ، ففي رحلتِه الثّانية


(١) جامع البيان ١/ ٨.
(٢) معجم الأدباء ٦/ ٢٤٥١.
(٣) المرجع السابق.
(٤) معجم الأدباء ٦/ ٢٤٥٣. وينظر منه: ٦/ ٢٤٦٧.

<<  <   >  >>