ومِن اختلافِ الرِّواياتِ الذي لا يؤثِّرُ في المعنى ما ذكرَه في قولِه عند قولِه تعالى ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٤]: «والسَّريُّ معروفٌ في كلامِ العربِ أنَّه: النَّهرُ الصَّغيرُ. ومِنه قولُ لبيدِ بن ربيعةَ (١):
فتوَسَّطا عُرْضَ السَّريِّ وصَدَّعا … مَسْجورةً مُتجاوِراً قُلّامُها
ويُروى: فبَيَّتا مَسْجورَةً. ويُروى أيضاً: فغادَرا» (٢)، ومِثلُه في قولِه تعالى ﴿وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ﴾ [الرعد: ١٣]: «ومِنه قولُ أعشى بني ثعلبةَ (٣):
فرعُ نبعٍ يهتزُّ في غُصُنِ المَجْ … دِ غزيرُ النَّدى شديدُ المِحالِ
هكذا كانَ يُنشِدُه معمرُ بن المُثَنّى (٤)، فيما حُدِّثتُ عن عليِّ بن المُغيرةِ، عنه. وأمّا الرُّواةُ بعدُ فإنَّهم يُنشِدونَه:
فرعُ فرعٍ يهتزُّ في غُصُنِ المَجْ … دِ كثيرُ النَّدى عظيمُ المِحالِ» (٥).
ومِن جُملةِ عنايةِ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) بهذا البابِ: تصحيحُ رواياتِ الأبياتِ، ومِن ذلك قولُه فيما أنشدَه ابنُ جُريجٍ (ت: ١٥٠) في خبرٍ ذكرَه: «وقالَ في ذلك (٦):
نَفَرَتْ قَلوصي عن خيولِ مُحمدِ
وعَجْوَةٍ مَنثورَةٍ كالعُنْجُدِ (٧)
(١) شرح ديوان لبيد بن ربيعة (ص: ٣٠٧).
(٢) جامع البيان ١٥/ ٥١٠.
(٣) هو الأعشى الكبيرُ، والبيتُ في ديوانِه (ص: ٧).
(٤) مجاز القرآن ١/ ٣٢٥.
(٥) جامع البيان ١٣/ ٤٨٣. وينظر: ١/ ٣٤٦، ٦/ ٣٧٧، ٦٦١، ١٥/ ٥٥٧.
(٦) أي: معبَدُ بن أبي معبدٍ الخُزاعيّ. كما في السيرة النبوية، لابن هشام ٢/ ٢١٠.
(٧) العُنْجُد: هو الزَّبيبُ. ينظر: تاج العروس ٨/ ٤٢٢.