للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السَّلفِ، فينبغي التَّنبُّه إلى منهجِ الاستدلالِ بتلك الأدلَّةِ على ما سبقَ بيانُه، مُضافاً إليها ضوابطُ الاستدلالِ بأحوالِ النُّزولِ فيما يأتي بإذنِ الله.

ويُلاحَظُ في أحوالِ النُّزولِ ارتباطُها الوَثيقُ بعلمِ التّاريخِ والسِّيَرِ، وذلك لِما فيها مِنْ أحداثِ وأخبارِ وأسماءِ مَنْ نزلَ فيهم القرآنُ، وقد أشارَ إلى ذلك السّيوطيّ (ت: ٩١١) بقولِه عن علمِ (أسبابِ النُّزولِ): «زعمَ زاعِمٌ أنَّه لا طائِلَ تحتَ هذا الفَنِّ لجَرَيانِه مجرى التّاريخِ، وأخطأَ في ذلك، بل له فوائِدٌ» (١).

كما يُلاحَظُ اشتِمالُ قصَصِ الآيِ على أخبارِ وأحوالِ الأُمَمِ السّابقةِ، وأشْهرُ مَنْ نُقلَ عنهم ذلك: بنو إسرائيلَ. وقد أَفرَدتُ الحديثَ عن الاستدلالِ بأخبارِ بني إسرائيلَ على المعاني في مبحثٍ تالٍ مُستقلٍّ؛ لكثرةِ أدلَّتِه، واختصاصِه بكثيرٍ مِنْ المسائلِ.

والمُرادُ بالاستدلالِ بأحوالِ النُّزولِ على المعاني هو:

إقامَةُ أحوالِ النُّزولِ دليلاً لتصحيحِ المعاني وقبولِها، أو إبطالِها ورَدِّها.

أو: الإبانَةُ بدليلِ أحوالِ النُّزولِ عن صِحَّةِ المعاني وبطلانِها.

وأمثلةُ استدلالِ ابنِ جرير (ت: ٣١٠) بأحوالِ النُّزولِ على المعاني في تفسيره كثيرةٌ ظاهِرةٌ، وهي على نوعين:

النَّوعُ الأوَّلُ: استدلالُه بأحوالِ النُّزولِ لقبولِ المعاني وتصحيحِها، ومِن ذلك قولُه: «وهذا القولُ الذي قالَه مُجاهدٌ أَولى بتأويلِ الآيةِ؛ لصِحَّةِ الخبرِ الذي ذكَرْناه قبلُ عن ابنِ عباسٍ، أنَّ هذه الآيةَ نَزَلَت على


(١) الإتقان ١/ ١٩٠.

<<  <   >  >>