للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النَّوعُ الثّاني: استدلالُه بأحوالِ النُّزولِ لرَدِّ المعاني وإبطالِها، ومن أمثلَتِه قولُه عن قولِه تعالى ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا﴾ [البقرة: ٢٧٥]: «ليس المَقصودُ مِنْ الرِّبا في هذه الآيةِ النَّهيَ عن أكلِه خاصَّةً، دون النَّهيِ عن العملِ به، وإنَّما خصَّ اللهُ وصفَ العاملين به في هذه الآيةِ بالأكلِ؛ لأنَّ الذين نزلَتْ فيهم هذه الآياتُ يومَ نزلَتْ كانَتْ طُعمَتُهم ومَأكَلُهم مِنْ الرِّبا، فذَكَرَهم بصِفَتِهم، مُعظِّماً بذلك عليهم أمرَ الرِّبا، ومُقبِّحاً إليهم الحالَ التي هم عليها في مَطاعِمِهم» (١)، وذكرَ قولَ ابنِ زيدٍ (ت: ١٨٢): «كانَت العربُ في الجاهليَّةِ يتبادَلون بأزواجِهم، يُعطي هذا امرأتَه هذا، ويأخُذُ امرأتَه، فقال: ﴿لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ﴾ [الأحزاب: ٥٢]: لا بأسَ أن تُبادلَ بجاريَتِك ما شِئتَ أن تُبادلَ، فأمّا الحرائرُ فلا. قالَ: وكانَ ذلك مِنْ أعمالِهم في الجاهليَّةِ» (٢)، ثُمَّ قالَ: «وأمّا الذي قالَه ابنُ زيدٍ في ذلك أيضاً فقَولٌ لا معنى له؛ لأنَّه لو كانَ بمعنى المُبادلةِ لكانت القراءةُ والتَّنزيلُ: ولا أن تُبادلَ بهنَّ مِنْ أزواجٍ. أو: ولا أن تُبدِّلَ بهنَّ .. ، مع أنَّ الذي ذكرَ ابنُ زيدٍ مِنْ فِعلِ الجاهليَّةِ غيرُ معروفٍ في أُمَّةٍ نعلمُه مِنْ الأُمَمِ، فيُقالَ: كانَ ذلك مِنْ فِعلِهم، فنُهيَ رسولُ الله عن فِعلِ مِثلِه» (٣).

وقد بلغَت المواضِعُ التي استدَلَّ فيها بأحوالِ النُّزولِ على المعاني


(١) جامع البيان ٥/ ٤٢.
(٢) جامع البيان ١٩/ ١٥٢.
(٣) جامع البيان ١٩/ ١٥٣. وينظر: ٨/ ٦٩، ٢١/ ٢٦٣.

<<  <   >  >>