للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما يُردُّ، وفي قولِه تعالى ﴿قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [الكهف: ٢٢]، بعد ذِكرِ عِدَّةِ أصحابِ الكَهفِ، ما يُشيرُ إلى أنَّ مَنْ يُميِّزون صوابَ تلك الأخبارِ مِنْ خطئِها قليلٌ؛ لأنَّ قَدراً مِنْ تلك المَعرفةِ لا يتأتّى بسلامةِ النَّظَرِ، وسَعَةِ الاطِّلاعِ فحَسبُ؛ وإنَّما -مع ذلك- بقوَّةِ الفَهمِ، ودِقَّةِ الاستنباطِ، كالذي كانَ مِنْ ابنِ عباسٍ ، حين قالَ في هذا المَوضِعِ: «أنا مِنْ القَليلِ» (١).

رابعَ عشَرَ: يُصدِّرُ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) الأخبارَ الإسرائيليّةَ بصيغةِ المَبني لغيرِ المَعلومِ: (ذُكرَ، قِيلَ، رُويَ)؛ لتمييزِها عن غيرِها مِنْ الأخبارِ المأثورةِ عن النَّبيِّ ، أو عن السَّلفِ مِمّا روَوه مِنْ غيرِ تلك الأخبارِ، ولم يَشُذَّ عن ذلك إلا النَّادرُ مِنْ المواضِعِ.

ومِن الأمثلةِ على طريقةِ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) تلك قولُه في قولِه تعالى ﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ﴾ [الأنبياء: ٥٨]: «وقولُه ﴿إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ﴾ [الأنبياء: ٥٨]. يقولُ: إلّا عظيماً للآلِهةِ. فإنَّ إبراهيمَ لم يَكسِره، ولكنَّه -فيما ذُكرَ- علَّقَ الفَأسَ في عُنُقِه» (٢)، وقولُه: «القَولُ في تأويلِ قولِه تعالى ﴿إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٣]. وهذا مثلٌ ضرَبَه الخَصمُ المُتسَوِّرون على داودَ محرابَه له؛ وذلك أنَّ داودَ كانَت له -فيما قِيلَ- تِسعٌ وتِسعون امرأةً، وكانَت للرَّجُلِ الذي أغْزاه حتى قُتِلَ امرأةٌ واحِدَةٌ، فلمّا قُتلَ نكحَ -فيما ذُكرَ- داودُ امرأتَه، فقالَ له أحدُهما: إنَّ هذا أخي: على ديني» (٣)،


(١) جامع البيان ١٥/ ٢١٩.
(٢) جامع البيان ١٦/ ٢٩٦.
(٣) جامع البيان ٢٠/ ٥٧.

<<  <   >  >>