للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غيرَ أنَّ الأمرَ وإن كانَ كذلك؛ ومع القَولِ بأنَّ الأمارةَ يُمكنُ أن توصِلَ إلى القَطعِ، إلا أنَّ الغالبَ في الأماراتِ الظُّنونُ في واقعِ الحالِ؛ ومِن ثَمَّ جاءَت تابعةً للأدلَّةِ، وخادمةً لها عند التَّعارضِ.

ومع كثرةِ الأماراتِ وانتشارِها في أنواعِ الأدلَّةِ، إلا أنَّها محصورةٌ فيما وقعَ بينها الخلافُ مِنْ الأدلَّةِ؛ وفي نَوعٍ واحدٍ مِنْ الاختلافِ، وهو: ما تحقَّقَ فيه التَّعارضُ، وتعذَّرَ الجَمعُ. فمجالُ الأماراتِ مَحصورٌ في هذا البابِ، بخلافِ الاستدلالِ الذي يقعُ على الألفاظِ المُفردةِ، وذواتِ المعاني المُتعدِّدةِ، وذواتِ المعاني المُتعارضةِ، وليس للمُرجِّحاتِ إلا آخرَها؛ إذْ لا ترجيحَ في المَعنى الواحدِ، ولا في المعاني المُتوافقةِ.

كما اختصَّت أماراتُ التَّرجيحِ بأنَّ مِنها ما هو اصطلاحيٌّ يُتواضَعُ عليه، ويلتزِمُه بعضُهم، ولا يلزَمُ آخرين؛ كالتَّرجيحِ بتَضعيفِ الأقوالِ الأُخرى، وبذكرِ القَولِ الآخرِ بصيغةِ التَّمريضِ، وباقتصارِ العالمِ بأقوالِ المُفسِّرين على ذِكرِ قَولٍ واحدٍ مع وجودِ أقوالٍ أُخرى، ونحوِها مِنْ الوُجوهِ. وذلك بخلافِ الأدلَّةِ التي ثبتَ اعتبارُها بحُجَّةٍ مِنْ الشَّرعِ، وصارَ مِنْ أثرِ ذلك أن كثُرَ التَّنازعُ والاختلافُ في اعتبارِ كثيرٍ مِنْ أماراتِ التَّرجيحِ، وذلك لا مثيلَ له في بابِ الأدلَّةِ، وقد أشارَ ابنُ العربي (ت: ٥٤٣) إلى أثرٍ مِنْ ذلك فقالَ: «والأماراتُ أعظمُ في

<<  <   >  >>