للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمرجوحِ، لا الصَّحيحِ والباطلِ = يَقَعُ هذا النوعُ مِنْ الاستدلالِ؛ لاختيارِ أَوْلَى المعْنَيَيْن وأرجَحِهِما، وهذا النوعُ في حقيقَتِه راجعٌ إلى النوعِ الأوَّلِ؛ لِمَا فيه مِنْ إثباتِ أَصَحِّ المعنَيَيْن. ومِن أمثِلَتِه قولُ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) في معنى قولِه تعالى ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ [البقرة: ٣١]؛ حيثُ ذكرَ قولَ ابن عباس : «علَّمَ الله آدمَ الأسماءَ كلَّها، وهي هذه الأسماءُ التي يتعارفُ بها النّاسُ؛ إنسانٌ، ودابةٌ، وأرضٌ، وسهلٌ، وبحرٌ، وجبلٌ، وحمارٌ، وأشباه ذلك مِنْ الأُممِ وغيرِها». ثُمَّ اختارَ أنَّ المُرادَ: «أسماءَ ذريتَه، وأسماءَ الملائكةِ، دون أسماءِ سائرِ أجناسِ الخلقِ»، ثُمَّ قالَ: «وذلك أنَّ الله جلَّ ثناؤُه قالَ ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ﴾ [البقرة: ٣١]؛ يعني بذلك أعيانَ المسمَّيْن بالأسماءِ التي علَّمَها آدمَ، ولا تكادُ العربُ تَكْني بالهاءِ والميمِ إلا عن أسماءِ بني آدمَ والملائكةِ، وأمّا إذا كَنَتْ عن أسماءِ البهائمِ وسائرِ الخلقِ سوى مَنْ وصَفْنا، فإنَّها تَكْني عنها بالهاءِ والألفِ، أو بالهاءِ والنونِ، فقالَت: عرَضَهنَّ، أو عرَضَها. وكذلك تفعلُ إذا كَنَتْ عن أصنافٍ مِنْ الخلقِ؛ كالبهائمِ والطيرِ وسائرِ أصنافِ الأُممِ، وفيها أسماءُ بني آدمَ أو الملائكةِ، فإنَّها تَكْني عنها بما وصَفْنا مِنْ الهاءِ والنونِ، أو الهاءِ والألفِ. وربَّما كَنَتْ عنها إذ كانَ كذلك بالهاءِ والميمِ، كما قالَ جلَّ ثناؤُه ﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ﴾ [النور: ٤٥]، فكنى عنها بالهاءِ والميمِ، وهي أصنافٌ مُختلفةٌ، فيها الآدميُّ وغيرُه. وذلك وإن كانَ جائزاً فإنَّ الغالبَ المستفيضَ في كلامِ العربِ ما وصَفْنا مِنْ إخراجِهم كنايةَ أسماءِ أجناسِ

<<  <   >  >>