للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

توجهكم هذا الذي وجوهكم فيه إلى بيت أبيكم إبراهيم عليه السلام، وهو جانبه الذي يلي البحر، وناحية مكة واليمن، ووجه المنفعة فيه أنه أنزل في ذلك القرب عليهم كتاباً فيه بيان دينهم، وشرح شريعتهم.

ثم ثلث بذكر المنفعة الدنيوية بقوله: {ونزلنا عليكم} بعد إنزال هذا الكتاب في هذه المواعدة لإنعاش أرواحكم {المنِّ} أي: الترنجبين {والسلوى} أي: الطير السماني بتخفيف الميم والقصر، وقوله تعالى:

v

{كلوا من طيبات ما رزقناكم} أمر إباحة أن فسر الطيب باللذيذ؛ لأن المن والسلوى من لذائذ الأطعمة، وإن فسر بالحلال؛ لأن الله تعالى أنزله إليهم، ولم تمسه يد الآدميين، فهو أمر إيجاب، وقرأ حمزة والكسائي قد أنجيناكم ووعدناكم ما رزقناكم بتاء مضمومة بعد التحتية من أنجينا، وبعد الدال من وعدنا، وبعد القاف من رزقنا، ولا ألف في الثلاثة، والباقون بالنون، وألف بعدها في الثلاثة، وأسقط أبو عمرو الألف قبل العين من وعدنا، وأثبتها الباقون، ثم زجرهم عن العصيان بقوله تعالى: {ولا تطغوا فيه} أي: فيما رزقناكم بالإخلال بشكره، والتعدي بما حد الله لكم فيه من السرف والبطر والمنع عن المستحقين، وقرأ الكسائي {فيحل} بضم الحاء، أي: ينزل، والباقون بكسرها، أي: يجب {عليكم غضبي} أي: عقوبتي {ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى} أي: هلك، وقيل: شقي، وقيل: وقع في الهاوية، وقرأ الكسائي بضم اللام الأولى، وكسرها الباقون، ولما كان الإنسان محل الزلل، وإن اجتهد رجاه واستعطفه بقوله سبحانه:

{وإني لغفار} أي: ستار بإسبال ذيل العفو {لمن تاب} أي: رجع عن ذنوبه من الشرك، وما يقاربه {وآمن} بكل ما يجب الإيمان به {وعمل صالحاً} تصديقاً لإيمانه {ثم اهتدى} باستمراره على ذلك إلى موته.

فائدة: اعلم أنه تعالى وصف نفسه بكونه غافراً وغفوراً وغفاراً، وبأن له غفراناً ومغفرة، وعبر عنه بلفظ الماضي والمستقبل والأمر، أمَّا وصف كونه غافراً، فقوله تعالى {غافر الذنب} (غافر، ٣)

وأما كونه غفوراً، فقوله تعالى: {وربك الغفور} (الكهف، ٥٨) ، وأما كونه غفاراً، فقوله تعالى: {وإني لغفار لمن تاب وآمن} ، وأما الغفران، فقوله تعالى: {غفرانك ربنا} (البقرة، ٢٨٥) ، وأما المغفرة، فقوله تعالى: {وإن ربك لذو مغفرة للناس} (الرعد، ٦) ، وأما صيغة الماضي فقوله تعالى في حق داوود عليه السلام: {فغفرنا له} (ص، ٢٥) ، وأما صيغة المستقبل فقوله تعالى: {يغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (النساء، ٤٨) ، وقوله تعالى في حق نبينا صلى الله عليه وسلم {ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخر} (الفتح، ٢) ، وأما لفظ الاستغفار، فقوله تعالى: {استغفروا ربكم} (هود، ٣) ، {ويستغفرون لمن في الأرض} (الشورى، ٥)

{ويستغفرون للذين آمنوا} (غافر، ٧)

وههنا نكتة لطيفة وهي أن العبد له أسماء ثلاثة؛ الظالم والظلوم والظلام إذا كثر منه الظلم، ولله تعالى في مقابلة كل واحد من هذه الأسماء اسم، فكأنه تعالى قال: إن كنت ظالماً فأنا غافر، وإن كنت ظلوماً فأنا غفور، وإن كنت ظلاماً فأنا غفار، فيجب على كل من ارتكب معصية كبيرة أو صغيرة أن يتوب منها لهذه الآية، ودلت على أن العمل الصالح غير داخل في الإيمان؛ لأنه تعالى عطف العمل الصالح على الإيمان والمعطوف غاير المعطوف عليه. ولما أمر تعالى موسى عليه السلام بحضور الميقات مع قوم مخصوصين قال المفسرون: هم السبعون الذين اختارهم الله تعالى من جملة بني إسرائيل ليذهبوا معه إلى الطور ليأخذوا التوراة، فسار بهم موسى، ثم عجل موسى عليه السلام من بينهم شوقاً إلى ربه

<<  <  ج: ص:  >  >>