للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وخلف السبعين، وأمرهم أن يتبعوه إلى الجبل، فقال تعالى له:

أي: لمجيء ميعاد أخذ التوراة {يا موسى}

{قال} مجيباً لربه تعالى: {هم أولاء} أي: بالقرب مني يأتون {على أثري} أي: ماشين على آثار مشي قبل أن ينطمس، وما تقدمتهم إلا بخطاً يسيرة لا يعتد بها عادة، وليس بيني وبينهم إلا مسافة قريبة يتقدم بها الرفقة بعضهم على بعض {وعجلت إليك رب لترضى} أي: لتزداد عني رضاً، فإن المسارعة إلى امتثال أمرك والوفاء بعهدك يوجب مرضاتك.

تنبيه: في الآية سؤالات:

الأول: قوله تعالى: وما أعجلك استفهام، وهو على الله تعالى وأجيب عنه: بأنه كان في صورة الاستفهام، ولا مانع منه.

الثاني: أن موسى عليه السلام لا يخلو إما أن يكون ممنوعاً من ذلك التقدم، أو لم يكن، فإن كان الأول كان التقدم معصية، وإن لم يكن فلا إنكار، وأجيب عنه: بأنه عليه السلام لعله ما وجد نصاً في ذلك، فاجتهد، فأخطأ في اجتهاده، فاستوجب العتاب.

الثالث: قوله: وعجلت، والعجلة مذمومة، أجيب عنه بأنها ممدوحة في الدين قال تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} (آل عمران، ١٣٣)

الرابع: قوله لترضى يدل على أنه إنما فعل ذلك ليحصل الرضا، وإذا لم يكن راضياً عنه، وجب أن يكون ساخطاً عليه، وذلك لا يليق بحال الأنبياء عليهم السلام، أجيب عنه: بأن المراد تحصيل دوام الرضا، أو زيادته كما مرَّ.

الخامس: قوله إليك يقتضي كون الله تعالى في جهة لأن إلى لانتهاء الغاية، وأجيب عنه: بأنا اتفقنا على أن الله تعالى لم يكن في الجبل، فالمراد مكان وعدك.

السادس: قوله تعالى: ما أعجلك عن قومك سؤال عن سبب العجلة، فكان جوابه اللائق به أن يقول: طلب زيادة رضاك، أو التشوق إلى كلامك، وأما قوله: هم أولاء على أثري، فغير منطبق عليه كما ترى؛ أجيب عنه بأن سؤال الله تعالى يتضمن شيئين؛ أحدهما: إنكار نفس العجلة، والثاني: السؤال عن سببب التقدم، فأجاب عن السؤال عن العجلة؛ لأنها أهم، فقال: وعجلت إليك رب لترضى

{قال} تعالى: {فإنا} أي: تسبب عن عجلتك عنهم أنا {قد فتنا} أي: ابتلينا {قومك من بعدك} أي: بعد فراقك لهم بعبادة العجل، وهم الذين خلفهم مع هارون، وكانوا ستمائة ألف، وما نجا من عبادة العجل منهم إلا اثنا عشر ألفاً {وأضلهم السامري} باتخاذ العجل والدعاء إلى عبادته، فأطاعه بعضهم، وامتنع بعضهم، والسامري منسوب إلى قبيلة من بني إسرائيل يقال لهم السامرة، وقيل: كان علجاً من أهل كرمان وقع إلى مصر، وقيل: كان من قوم يعبدون البقر جبران لبني إسرائيل، ولم يكن منهم، واسمه موسى بن ظفر، وكان منافقاً

{فرجع موسى} لما أخبره ربه بذلك {إلى قومه} بعدما استوفى الأربعين ذا القعدة، وعشر ليال من ذي الحجة، وأخذ التوراة {غضبان} عليهم {أسفاً} أي: حزينا بما فعلوا {قال} أي: لقومه لما رجع إليهم مستعطفاً لهم: {يا قوم} وأنكر عليهم بقوله: {ألم يعدكم ربكم} أي: الذي أحسن إليكم {وعداً حسناً} أي: بأنه ينزل عليكم كتاباً حافظاً، ويكفر عنكم خطاياكم، وينصركم على أعدائكم إلى غير ذلك من إكرامه، ولما جرت العادة بأنّ طول الزمان ناقض للعزائم مغير للعهود كما قال أبو العلاء أحمد بن سليمان المعري:

*لا أنسينك طال الزمان بنا

... وكم حبيب تمادى عهده فنسى

قال لهم: {أفطال عليكم العهد} أي: زمن لطف الله تعالى بكم، فتغيرتم عما فارقتكم عليه كما تغير أهل

<<  <  ج: ص:  >  >>