للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مسلمٍ داراً أوجبَ اللهُ على المسلم الخُروجَ منها، ولأنه ربَّما فتنَهُ المشركون عن دينه، وأوقعناه في مَفْسَدَةٍ أكبرَ من الأولى.

* إذا علمتَ هذا، ففي الآيةِ إشارةٌ إلى أن هذا الجزاءَ حَدٌّ خالِصٌ للهِ تعالى عقوبةً لهم لأجلِ محاربةِ الله تعالى، والفساد في أرضه، وهو متفق عليه.

ويؤخَذُ منه أن المحارِبَ إذا قَتَل، وعفا عنه وليُّ الدم أنه لا يفيده العفو، وأنه إذا قَتَلَ مَنْ ليسَ كُفُؤاً له، أنه يُقْتلُ، وهو كذلك، وللشافعيِّ قولٌ ضعيفٌ أنه يفيدُهُ العفوُ، وأنه لا يُقْتلُ بغيرِ المُكافِئ.

* ويؤخذ منه أيضاً أنه يُقْطَعُ إذا أخذَ المالَ، وإن كانَ دونَ نِصابِ السرقةِ، وبهذا قال مالِكٌ (١).

وذهب الشافعيُّ إلى تحديده بالنِّصاب؛ قياساً على السرقة (٢).

وليسَ هذا القياسُ بِمَرْضِيٍّ لفسادِ اعتبارِه، فإنَّ أمرَ المُحارَبَةِ أَغْلَظُ من السرقةِ، فلا يقاسُ المُغَلَّظُ على المُخَفَّفِ، كيفَ والحدودُ لا قياسِ فيها؟ ولأنه لم يُنقلْ في المالِ تحديدٌ من السُّنَةِ كما نُقِلَ في السرقة، ولا يَخْفى مثلُ هذا على أبي عبدِ الله، لكنَّهُ لما تردَّدَ عندَهُ القَتْلُ والقَطْعُ بينَ القِصاص والحَدِّ، جعلَهُ قِصاصاً في أحد القَوْلَيْن، ولم يجعلْه حَدًّا؛ لاعتبارِ الشارعِ (٣) بِدَرْءِ الحُدودِ وإسقاطِها، ولأجلِ هذا المدرَكِ اعتبرَ النِّصابَ احْتِيَاطاً لحدودِ الله، والله أعلم.


(١) انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (٢/ ١٠٠)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٦/ ١٥٤).
(٢) وهو مذهب أحمد. انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (١٣/ ٣٥٩)، و"الكافي" لابن قدامة (٤/ ١٧١).
(٣) في "ب": "المشرّع".

<<  <  ج: ص:  >  >>