* أقول: هذهِ الآيةُ حكمُها مقصورٌ على سَبَبِها، وذلكَ أَنَّهُ كانَ قومٌ منَ الزُّناةِ يَتَّبِعونَ النِّساءَ إذا خَرَجْنَ لَيْلاً، ولَم يكونوا يطلُبون إِلَّا الإماءَ، ولم يكنْ يومئذٍ تُعْرَفُ الحُرَّةُ منَ الأَمَةِ؛ لأنَّ زينتهنَ كانت واحدةً، إنَّما يَخْرُجْنَ في دُروع وخِمارٍ، فأمرَ اللهُ سبحانَهُ الحرائرَ أَنْ يَتَمَيَّزْنَ عنِ الإماءِ، ولا يَتَشَبَّهْنَ بِهنَّ، حَتَّى يُعرَفْنَ فلا يُؤْذَيْنَ.
* وفي الآيةِ دليلٌ على جوازِ خروجِ نساءِ النبي - صلى الله عليه وسلم - مُتَجَلْبِباتٍ.
روينا في "صحيح البخاري" عن عائشةَ -رضيَ اللهُ تعالى عنها- قالت: خَرَجَتْ سَوْدَةُ بعدَما ضُرِبَ الحِجابُ لِحاجَتِها، وكانتِ امرأةً جَسيمة، لا تَخْفى على من يعرِفُها، فرآها عمرُ بنُ الخَطاب، فقال: يا سودة! أما واللهِ ما تَخْفَيْنَ، فانْظُري كيفَ تَخْرجين؟ قالتْ: فانكَفَأَتْ راجِعَةً، ورسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في بَيْتي، وإنَّه لَيتعَشَّى، في يدِه عَرقٌ، فدخلَتْ فقالَتْ: يا رسولَ الله! إني خرجْتُ لبعضِ حاجَتي، فقالَ في عُمَرُ كَذا وكَذا، فأوحى اللهُ إليه، ثم رفعَ عنهُ، وإن العَرْقَ في يدهِ ما وضَعَه، وقال:"إنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُن أَنْ تَخْرُجْنَ لِحاجَتِكُنَّ"(١).