للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيرُ ما حُرِّمَ عليهِ، ومَثَلُهُ الزوجةُ والجاريةُ إذا كانتا حائِضَتينِ، فَوَطْؤُهما حرامٌ في حالِ الحَيْض، وليسا بِحَرام على مالِكِهِما في غيرِ تلكَ الحالِ، بِخِلافِ القِسْمِ الأَوَّلِ (١). هكذا ذكرهُ في "الرِّسالة"، وبَسَطَ القَوْلَ فيهِ، ومعنى كلامِهِ ومراده: أنَّ النَّهْيَ يُحْمَلُ على التَّحريمِ مُطْلَقا، سواءٌ صادَفَ النَّهْيُ مَحَلا حَرامًا أو حَلالاً، فقدْ يكونُ الشيءُ حَلالاً من وجهٍ، وحَراماً من وجهٍ، فلا تكونُ حلالِيةُ المَحَلِّ قرينةً صارفَةً للنَّهْي عن التَّحْريمِ إلى الكَراهَةِ، ولا يُنْكِرُ الشافعيُّ -رضيَ اللهُ تَعالى عنه - أَنَّ النَّهْيَ قد ينزلُ عنْ دَرَجَةِ التَّحْريمِ إلى الكَراهَةِ، وإلى دونها، إذا دَلَّ عليهِ الدَّليل، وقدْ صَرَّحَ بذلكَ في غيرِ مَوْضِعِ من رسالتِهِ، فمنْ ظَنَّ بهِ غيرَ ذلكَ، فقد غَلِطَ عليه، وربَّما قَدْ ظَن من ضعُفتْ بصيرَته منَ المُتَأَخريَن عن إدْراكِ مُراده لَمّا أَنْ وَقَفَ على هذه المقالةِ في كِتابِ "الرسالة" أَنْ يَقولَ بتحريمِ اشْتِمالِ الصَّمّاءِ والأكلِ من وسَطِ الإناءِ، وما أشبهَ ذلكَ؛ وليس الأمرُ على ما ظَنَّ، فَلْيُنْتبَهْ لِذلكَ.

المسألة الثانية: النَّهْيُ هل تقْتَضي الفَساد؟ فيه أقوالٌ:

أحدُها: يقتضي.

والثاني: إنْ أخلَّ بشرطِ المَنْهِي عنهُ، اقْتَضى الفساد، وإلَّا لم يَقْتَضِ.

والثالثُ: إنْ كانَ النهيُ يَخْتَصُّ الفِعْلَ المَنْهِيَّ عنه؛ كالصلاةِ في المكانِ النَّجِسِ، اقْتَضى الفَسادَ، وإن لمْ يَخْتَصَّ المنهيَّ عنهُ؛ كالصَّلاةِ في الدَّارِ المَغْصوبة، لم يَقْتَضِ الفَساد (٢).


(١) انظر: "الرسالة" للإمام الشافعي (٣٥٣ - ٣٥٥) وفي كلامه بعض اختلاف عمّا ذكره المؤلف، فلينظر في موضعه.
(٢) اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال أهمها:
الأول: أنه يدل على الفساد مطلقًا.=

<<  <  ج: ص:  >  >>