للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهو أصحُّ الأقوالِ؛ لأنَّ الله - سبحانه وتعالى - لم يذكرْ إلا جزاءه، وحَظَّهُ من العقوبةِ فقط، ثم عقبه بذكرِ التوبةِ، وأما حقوقُ الآدميينَ فقد تظاهَرَتِ النُّصوصُ على أنها لا تَسْقُطُ إلا بإسقاطِ صاحبها، وليسَ في الآيةِ تَعَرُّضٌ لذكِرها.

* وأطلقَ اللهُ سبحانَه التوبَةَ هنا، ولم يقيدْها كما قَيَّدَها في آيةِ السَّرِقَةِ بالإصلاح، وهي على إطلاقِها، ولا يجوز أن تُقَيَّدَ بآيةِ السرقةِ (١)؛ لاختلافِ السببين، ولوضوحِ الفرق بين الجِنايَتين.

وذلك أن المحارِبَ مجاهِرٌ بفعلهِ، فإذا تابَ، فالظاهِرُ من حاله أنه لم يَتُبْ تَقِيَّةً، وإنما رجعَ عمَّا كان عليه، والسارِق مُسْتَخفٍ بفعلهِ، فإذا تابَ حُمِلَ على التَّقِيَّةِ، ولما في قَبولِ توبةِ المُحارِبِ من الصَّلاحِ وتركِ الفتنة، بخلافِ السارقِ، ولهذا لا تقبلُ توبتُه بعدَ القدرة عليه.

* إذا تمَّ هذا، فقد روى الشيخان عن أَنسِ بنِ مالِكٍ -رضيَ اللهُ تعالى عنه - قال: قدمَ ناسٌ من عُكْلٍ او عُرَيْنَةَ، فاجْتَوَوُا المدينةَ، فأمرَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لهمْ بلِقاحٍ، وأَمَرَهُم أن يشربوا من أبوالِها وألبانِها، فلما صَحُّوا، قَتَلوا راعِيَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، واستاقوا النَّعَمَ، فجاءَ الخبرُ أولَ النَّهارِ، فبعثَ في آثارِهم، فلما ارتفعَ النَّهارُ، جيءَ بهم، فَأَمر بهم (٢)، فَقُطِّعتْ أيديهم وأرجلُهم، وسُمِلَتْ أَعْيُنُهُمْ، وتُرِكوا في الحَرَّةِ يَسْتَسقونَ، فلا يُسْقَوْنَ (٣).


(١) وهي قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: ٣٨].
(٢) "فأمر بهم": ليست في "أ".
(٣) رواه البخاري (٢٣١)، كتاب: الوضوء، باب: أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها، ومسلم (١٦٧١)، كتاب: القسامة، باب: حكم المحاربين والمرتدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>