للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدها: أن ذكرَ العمدِ خرجَ مخرجَ الغالبِ، فهو للتغليبِ، لا للتقييد.

ثانيها: إن وصفَ العمدِ ذُكِرَ لِتُعَلَّقَ بهِ بعضُ الأحكامِ المُخْتَصَّةِ به، وهو ذوق الوبَالِ المَذكورِ في آخِر الآيةِ.

وهذا ضعيفٌ؛ لأن الوبَالَ المَذوق هُو الجزاءُ، وذلك لا يَخْتَصُّ به العمدُ.

وأحسنُ من ذلكَ أنْ يُقال: ذُكِرَ ليعلَّقَ عليهِ العَفْوُ؛ إذِ العَفْوُ مُخْتَصٌّ بالعَمْدِ، بدليلِ قوله تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: ٩٥]، والانتقامُ غيرُ العفوِ، وهذا أمرٌ زائدٌ على الجزاء، وهو مختصٌّ بالمُتَعَمَّدِ أيضاً، فكأنه أرادَ: مَنْ قتلَهُ منكم قَبْلَ ورُودِ النهي جاهِلاً بالتحريمِ، فعليهِ الجَزاءُ، وعَفا اللهُ عمَّا سَلَفَ؛ كما قال تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: ٢٣].

ولأجلِ تعارُضِ مفهومِ الخِطاب وتركِ إهدارِ الصيدِ قالَ بعضُ السَّلَفِ في الآيةِ قَوْلاً، وجعله مَذْهَبا وتأويلاً، وهو: إذا قتلَ الصيدَ مُتَعَمِّداً لقتلِهِ، ناسِياً لإحرامِه، فعليهِ الجزاءُ، فأما إذا قتلَهُ مُتَعَمِّداً ذاكراً لإحرامِه، فقد حَلَّ، ولا حَجَّ له؛ كما لو تكلَّمَ في الصلاة، أو أَحدَثَ فيها.

قال مُجاهدة لقوله تعالى بعدَ ذلك: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: ٩٥]، ولو كان ذاكِراً لإحرامِه، لَوَجَبَتْ عليهِ العُقوبةُ لأولِ مرة (١).

ونحوَ قوله قالَ سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ حين سُئِل عن ذلك، فقال: نعم، يُحْكَمُ


(١) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (٣/ ١٨٧) حيث ذكر عن عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ، عن مجاهد قال: متعمداً لقتله، ناسياً لإحرامه، فذلك الذي يحكم عليه، فإن قتله ذاكراً لإحرامه، متعمداً لقتله، لم يحكم عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>