للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنه قولُه تعالى: {ليَس كَمِثلِه شَيْءٌ} [الشورى ١١].

وحقيقةُ المِثْلِ في لسانِ العربِ الشبهُ في الصورَة، فأوجَبَ شِبْة الصَيْدِ من النَّعَمِ الذي هُوَ من (١) غَيْرِ جِنْسِه؛ لكونه يشبهُهُ من بعض الوجوه.

وبهذا قالَ جمهورُ العلماءِ (٢)، إلا أبا حنيفةَ (٣)، فإنه تأولَ المِثْلَ بالمِثْل المَعنَوِيِّ، وحملَهُ على القيمةِ؛ لأن ذلك هو القياسُ في سائرِ المُتْلَفات، فالعبدُ يغرمُ بالقيمةِ، ولا يغرمُ بعبدٍ آخرَ منْ جنسِه، فكيف من غيرِ جِنْسِه؛ لأنها تعمُّ الصيدَ الذي لهُ مِثْلٌ في الصورةِ، والذي لا مِثْلَ له، ولأنها تعمُّ الصغيَر والكبيرَ، وعادَته اتباعُ القِياسِ، وتَركُ الظَّواهِرِ.

وهذا القولُ محجوجٌ بخمسةِ أَوْجُهٍ لا تأويل لها:

أحدُها: تقييدُ القرآنِ بكونهِ من النعَمِ، فبيَّنَ جنسَ المِثْلِ الذي هو الجَزاء، وحملُهُ على أن النَّعَمَ هو الصيدُ خلافُ المعروفِ من اللسانِ.

ثانيها: القراءةُ بالرفعِ والتنوينِ مبيِّنَةٌ لقراءةِ الإضافةِ، ولو لم يُحْمَل عليها، أَدَّى إلى تعارُضِ القراءتين.

ثالثُها: قوله تعالى: {هدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥]، والهدي يُطْلَقُ في عُرفِ اللُّغَةِ والشَّرعِ على ما ساقَهُ المُحْرِمُ إلى البيتِ.

رابعُها: إجماعُ الصحابةِ -رضي الله تعالى عنهم- على الحكم بالنَّعَم في الجزاءِ، دونَ القيمةِ.


(١) "من" ليس في "أ".
(٢) انظر: "الأم" للإمام الشافعي (٧/ ١٤٧)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (٤/ ٢٨٦)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (٤/ ١٤٨)، و"المغني" لابن قدامة (٣/ ٢٦٨).
(٣) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (٤/ ١٣٤)، و"المبسوط" للسرخسي (٤/ ٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>