للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* إذا تمَّ هذا، فقدْ تَمَسَّكَ الحَنَفِيَّةُ بهذهِ الآيةِ في وُجوبِ الزكاةِ في كُلِّ ما أخرجتْهُ الأرضُ، ما خلا الحشيشَ والحَطَب والقَصَبَ (١)؛ لأن اللهَ سبحانه ذكرَ الزَّيتون والرُّمّانَ، ثم قال: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: ١٤١].

ولا دليلَ لهمْ في الآيةِ؛ لأن اللهَ سبحانه وتعالى قال: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: ١٤١]، والحصادُ مختصّ بالزرعِ، وفي معناه الجُذاذُ في النَّخْلِ، بل هذا يدلُّ على أن الزيتونَ والرمانَ غيرُ مُرادَيْنِ بالإيتاء.

فإن قالوا: أصلُ الحَصادِ ذَهابُ الشيءِ عن مَوْضِعِهِ الذي هو فيه، بدليلِ قوله: {مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} [هود: ١٠٠]، وقوله: {فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} [يونس: ٢٤]، وقوله: {حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ} [الأنبياء: ١٥]، وذلك غير مُخْتَصٍّ بالزرع.

قلنا: عرفُ اللسانِ (٢) قاضٍ باخْتِصاص الزرع به، ولهذا يقال: حصَادُ الزرع، وجُدادُ النخلِ -بالدال المُهْمَلَة-، وجُذاذُ البقل -بالمُعْجَمَة- فتخصيصُه بالزرعِ حقيقةٌ عرفيةٌ، وتعميمُه حقيقةٌ لغويةٌ، والعرفيةُ أولى من اللغوية.

ثم تمسَّكوا أيضاً بعموم قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: ٢٦٧].

وهذا لا دليلَ فيه أيضاً، فعمومُه مخصوصٌ بتركِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الأخذَ من بعضِه؛ كالقِثَّاءِ والبِطِّيخِ، وكانَ بالمدينة، وبسكوته عن الأمرِ في الزَّيتونِ


(١) انظر: "المبسوط" للسرخسي (٣/ ٢)، و"الهداية شرح البداية" للمراغيناني (١/ ١٠٩).
(٢) في "ب": "الشرع".

<<  <  ج: ص:  >  >>