استمساكًا بما يرى الفقيه أنه الحقُّ، ولا يجد غَضَاضةً إذا عرفَ الحقَّ لدى غيره أن يرجع إليه.
وبقي الأمر هكذا حتى جاء عصرُ التقليد المذهبي، فقَصَر أتباع الأئمة جهودهم على توضيح مذهبهم والانتصار له، وأحيانًا حتى لو كان ذلك بحمل الآيات القرآنية على المعاني المرجوحة البعيدة، ونشأ من هذا تفسير فقهيٌّ خاصٌّ لآيات الأحكام في القرآن، يشتد التعصب فيه أحيانًا، ويَخِفُّ أخرى (١).
وهذا المنهج هو ما يسمى بـ "التفسير الفقهي"، وقد برزت فيه كتب كان لها الأثرُ البارزُ في إثراء مكتبة الفقه الإسلامي، فمن هذه الكتب:
١ - "أحكام القرآن" للجصاص، وهو من المراجع المهمة في آيات الأحكام والمسائل الخلافية، لكنه مليء بميله المُفْرِطِ إلى مذهبه الحنفي، وذلك في الانتصار له، ومحاولته إبطالَ أدلة المخالفين.
٢ - "أحكام القرآن" لإلكيا الهَرَّاسِي الشافعي، وهو مرجع هام ومفيد في آيات الأحكام، لكنه اقتصر فيه على إيراد مذهب الشافعي -رحمه الله- دون التعرض لمذاهبِ غيره من الأئمة.
٣ - "أحكام القرآن" لابن العربي المالكي: وهو من أحسن الكتب المؤلفة في آيات الأحكام، وعليه اعتمد مَنْ جاء بعده كالقرطبي، لكنه يهجم على المخالف بشدة، ويتحامل على بعض الأئمة المخالفين لمذهبه.
٤ - "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي، وهو من أفضل الكتب في التفسير وأكثرها جمعًا لآيات الأحكام، ومسائل الخلاف، دون التعصب والتحيز
(١) انظر: "مباحث في علوم القرآن"، لمنّاع القطّان، (ص: ٣٧٦ - ٣٧٧).