للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقياسٍ، وذلك أنه لا يعرفُ ما يقيسُ عليه، كما لا يحلُّ لفقيهٍ عاقلٍ أن يقولَ في ثمنِ درهم ولا خبرةَ لهُ بسوقهِ. ومنْ كانَ عالِمًا بما وصَفْنا بالحفظِ، لا بحقيقةِ المعرفةِ، فليس لهُ أن يقولَ أيضًا بقياسٍ؛ لأنه قد يذهبُ عليه عَقْلُ المَعاني.

وكذلك لو كان حافظٌ مقصرَ العقل، أو مقصرًا عن (١) لسانِ العربِ، لم يكنْ له أن يقيسَ؛ من قِبَلِ نقصِ عقله عن الآلةِ التي يجوزُ بها القياس، ولا نقول: يسع هذا، -والله أعلم- أن يقول أبدًا إلا اتّبَاعًا لا قياسًا (٢).

فإنْ قلتُمْ: فبيّنْ لنا كيفَ صِفَةُ القياسِ، ولقد كَبُرَ علينا أَمْرُهُ وعَظُمَ لدينا خَطْبُهُ.

قلتُ: هو كما ذكرتُمْ، وهو سَهْلٌ على من أعطاه اللهُ عقلاً وفَهْمًا، فكل عِلْم عَطاءٌ من الله الكريمِ، فنسأله عطاءً مؤدِّيًا لحقِّه، موجبًا لمزيدِه.

وها أنا أذكُر لكم صفَتَه، وأبينُ لكم طريقَهُ بأسهلِ بيانٍ وأوضَحِهِ إنْ شاءَ الله تعالى.

فاعلموا -رحمكمُ اللهُ تعالى- أَنَّ الله -سبحانَه وتعالى-، وكذا رسولُه - صلى الله عليه وسلم - إذا خاطَبَ الِعبادَ بحُكْمٍ، فالغالبُ أن يكونَ هناك مَعْنىً وعلاَمةٌ للحُكْمِ تدلُّ على أنَّ ما لم يذكر، و (٣) فيه ذلكَ المَعْنى أنه في مَعْناهُ، وقد لا يكون للحُكْمِ المَذْكورِ مَعْنًى، وذلك في القليل النادرِ، فتعرّفوا أولًا معنى الحكمِ وعلَّتَهُ، ثم قيسوا عليه الحوادث التي لم تذكر إذا وجدتُم ذلكَ المعنى فيها، فإنْ بيَّن الله سبحانَهُ، ورسولهُ - صلى الله عليه وسلم - علَّةَ الحُكْمِ ومعناهُ في ذلك


(١) "علم" زيادة من "ب".
(٢) انظر: "الرسالة" للإمام الشافعي (ص: ٥٠٩ - ٥١١).
(٣) الواو ليست في "ب".

<<  <  ج: ص:  >  >>