للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قتالِ من لم يقاتلهم بالأمرِ بالقتل والقتال (١).

والقولُ بالنسخِ مع وجودِ التأويلِ ضعيفٌ لا يُصارُ إليه إلا بتوقيفٍ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٢).

وتحتملُ الآيةُ عندي تأويلًا حسنًا ظاهرًا، وهو أن يكونَ أمرَهُم اللهُ -تبارك وتعالى- بقتالِ الذين يُقاتلونهم عند المسجِد الحَرام إذا قاتلوهم فيه، ولا يعتدوا فيقتلوا (٣) من لم يقاتلْهم ابتداءً.

ويشهد لهذا التأويلِ ويقوِّيه قولُه -سبحانه وتعالى-: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [البقرة: ١٩١]، وقولهُ عزَّ وجلَّ: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤]. ويكون المرادُ بـ "سبيلِ الله": المسجدَ الحرام؛ كقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: ٢١٧].

ثم وجدتُ -بعد وضعي لهذا الكتابِ بأحوال- بعضَ المفسرينَ الحُفَّاظ قدْ جعلَ هذا التأويلَ تفسيرًا، وقال: نزلت هذه الآيةُ في عُمْرَةِ القَضاء لمّا خاف المسلمون غَدْر الكُفار لمَّا شَرَطوا أن يُخْلوا لهم مكةَ في العامِ القابل


(١) وهو قول الربيع بن أنس، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم. انظر: "تفسير الطبري" (٢/ ١٨٩)، و "معالم التنزيل" للبغوي (١/ ٢٣٦)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (١/ ٢/ ٣٢٣)، و "تفسير ابن كثير" (١/ ٤٠٠).
(٢) قال أبو جعفر الطبري في "تفسيره" (٢/ ١٩٠): دعوى المدَّعي نسخ آية، يحتمل أن تكون غير منسوخة، بغير دلالة على صحة دعواه، تحكُّمٌ والتحكُّم لا يعجز عنه أحد.
(٣) في "ب": "فيقاتلوا".

<<  <  ج: ص:  >  >>