للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- * وقد أنزل اللهُ سبحانَه في نِكاح المُشركاتِ آياتٍ يعارضُ بعضُها بعضاً، وها أنا أتكلمُ فيها على مَبْلَغِ عِلمي، ومُنْتَهى فَهْمي، وأستعينُ باللهِ وأستهديه.

فأقول: حَرّمَ اللهُ سبحانَهُ على المؤمنين نِكاحَ المُشْركاتِ ابتداءً ودواماً، فقال هنا: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة: ٢٢١]، وقال تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: ١٠]، وهذا الخطابُ عامّ في الوَثَنِيّاتِ والكِتابِيّاتِ، الذِّمِّيَّاتِ منهنَّ والحَرْبِيّاتِ، وسمَّى اللهُ سبحانَهُ الكِتابيَّ مُشْرِكاً؛ لقوله: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: ٣٠]، ولقوله: {الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّه} [التوبة: ٣٠]، وقوله: {ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: ٧٣]، وكانَ ابنُ عمرَ- رضي الله عنهما- إذا سُئِل عن نكاحِ الرجلِ اليهوديَّةَ أو (١) النصرانيَّةَ، قال: حَرَّمَ اللهُ المُشْركاتِ على المؤمنينَ، ولا أعرفُ شيئاً من الشِّرْكِ أعظمَ من أن تقولَ المرأةُ: ربُّها عيسى، أو عبدٌ من عبادِ اللهِ (٢).

وأحلَّ اللهُ لهم نِكاحَ الكِتابياتِ في سورة المائدةِ، فقال: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: ٥].

وهذا الخِطابُ لهم عامّ من وجهٍ، وخاصٌّ من وجهٍ، فخصوصُه في الكِتابياتِ دون الوَثنياتِ، فيقضى بخُصوص آيةِ المائدةِ على آية البقرة، وعمومُه في الذمِّياتِ والحربياتِ، في (٣) الحرائر منهنَّ والإماءِ، ولكنَّ اللهَ


(١) في "أ": "و".
(٢) رواه البخاري (٤٩٨١)، كتاب: الطلاق، باب: قول الله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ...}، عن نافع.
(٣) في "ب": "من".

<<  <  ج: ص:  >  >>