للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال قومٌ: لا يلحقها طلاق، كما لا يلحقها إيلاءٌ ولا ظهار، ولا ترث، ولا تنتقل إلى عدة الوفاة، واحتجوا بما رواه عطاءٌ عن ابن عباس وابن الزبير: أنهما قالا في المختلعة: لا يلزمها طلاق؛ لأنه طلاقُ ما لا يملك، وبه قال مالكٌ والشافعيُّ وأحمدُ وإسحاقُ وأبو ثور (١).

فإن قلتم: فهذا الترتيبُ يقتضي أن المفاداةَ الواقعةَ بين الطلقتين لا تُحرِّم، ولا تجعل ثالثة؛ لأن الله سبحانه يقول: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠]، ولم يحرمها بالافتداء.

قلنا: ما فهمتموه قد قال به -أيضًا- قومٌ من أهل العلم؛ كأحمدَ وداودَ، والشافعيِّ في أحد قوليه، وهو مذهبُ ابنِ عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما - (٢).

فعن إبراهيمَ بنِ سعدٍ بنِ أبي وقاص: أن رجلًا سألَ ابنَ عباس عن رجلٍ طلَّق امرأتَه طلقتين، ثم اختلعت منه، أيتزوجها؟ قال: نعم، لِينكحْها، ليس الخُلْعُ بطلاق، ذكرَ الله سبحانه وتعالى الطلاقَ في أولِ الآيةِ وآخرِها، والخلع فيما بين ذلك، فليس الخلعُ بشيء (٣)، ثم قال: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ} [البقرة: ٢٢٩]، ثم قرأ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ


(١) وهو قول عكرمة وجابر بن زيد والشعبي، وروي عن ابن المسيب وشريح وطاوس والنخعي والزهري والحكم وحماد. انظر: "جامع الأمهات" لابن الحاجب (ص: ٢٨٩)، و"مغني المحتاج" للشربيني (٤/ ٤٧٦)، و"المغني" لابن قدامة (١٠/ ٢٧٨)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٢/ ١/ ١٣٦).
(٢) يعني: أن الخلع فسخ وليس طلاقًا. وقال به -أيضًا- طاوس وعكرمة وإسحاق وأبو ثور. انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (١٧/ ١٨٧ - ١٨٨)، و"أحكام القرآن" للجصاص (٢/ ٩٥)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٢/ ١/ ١٣٢)، و"المغني" لابن قدامة (١٠/ ٢٧٤).
(٣) رواه عبد الرزاق في "المصنف" (١١٧٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>