محمولٌ على الغالب؛ فإن المؤمن إذا استطاع الفريضةَ لا يترُكها، ولا سيما إذا كانتْ من دعائمِ الإسلامِ، إلا إذا اتصف باليهودية والنصرانية من عدم الإيمان، منافقًا بالإسلام، وقد كان المؤمنون في العصرِ الأول خيرُهم محضٌ، إلا المنافقين؛ فإنهم يشوبون الحقَّ بالباطل، فجعلَ تَرْكَ الحجِّ عنوانًا لهم، وخَصَّ اليهود والنصارى بالذكر؛ لأنهم لا يُعَظِّمونَ المسجدَ الحرامَ، وإنما يعظِّمونَ المسجدَ الأقصى خاصَّةً، بخلاف مشركي العرب.
* وذكر الله سبحانه في هذه الآية الحَجَّ مُجْمَلًا، وذكر أركانَهُ مفرَّقَةً.
فقال سبحانه وتعالى في الإحرام:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ}[البقرة: ١٩٧].
وقال في الطواف:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[الحج: ٢٩].
وقال في السعي:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}[البقرة: ١٥٨].
وقال في الوقوف:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}[البقرة: ١٩٨].
وبين النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كيفية هذه الأركان، ومواقيتَها وواجباتِها ومسنوناتِها، وما يحلُّ في الحج وما يحرُم.
ثم خصَّ اللهُ سبحانه عمومَ أولِ الآية في آخرِها، فشرطَ الاستطاعةَ في وُجوبِ الحج؛ لطفًا بعباده، ورحمة لهم؛ لأنه يجمع فيه مشقة الأبدان، وبذل الأموال.
والاستطاعةُ تقع على حالين: استطاعة مباشرة، واستطاعة نيابة.
فأما المباشرة، فقد اتفق عليها أهلُ العلم، واختلفوا في تفصيلها،