للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ - ومثالُ ما لم يُوجَدْ له أصلٌ يُرَدُّ إليهِ، ولا يُؤْخَذُ بيانُه من مَعْناه، وإنُّما يُرْجَعُ إليهِ بِضَرْبٍ منَ التَّقْريبِ لِعُرْفِ الناسِ وعادتِهِم: العَفْوُ عن دَمِ البراغيثِ، واليَسيرِ من سائِرِ الدِّماء، عُفي عن قليلِها لمشقَّةِ الاحْترازِ؛ لقولِ اللهِ تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] ولم يُعْفَ عن الكثيرِ؛ إذ لا مَشَقَّةَ في اجْتِنابِهِ، فرُجِعَ في بيانِ القليلِ إلى عُرْفِ الناسِ وعادتِهم.

ولهذا نظائر (١) كثيرةٌ.

وعلى هذا فاعملْ في جميعِ ما يَرِدُ عليكَ من هذا البابِ، وَقدِّمْ من الأدلَّةِ أَقواها، فإن لم تجدْ، فارجع إلى الأصول والاعتبار.

وهذا فصل نفيس، فاحتفظْ به تستفدْ منه علماً كثيراً، وتطلعْ على سِرِّ الفقه ولطائفه، وعلى هذا السبيلِ جميعُ الفقهاءِ وإنَّما يختلفونَ في تفاصيلِ المسائل.

خامس الوجوهِ (٢): الاشتراكُ في المَعْنى، وهو على وجوه:

أحدها: أن يُعَلَّقَ الحُكْمُ على اسمٍ مشترَكٍ، ويَدُلَّ الدليلُ على أن المرادَ به أحدُ معانيه، لا بِعَيْنِهِ (٣).

كقول الله -تبَارَك وتَعالى-: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨]، فقد اتفقوا على أن المرادَ بهِ الطُّهْرُ، أوِ الحَيْضُ (٤)، وإنَّما اختلفوا في تعيينه، فهذا يُؤْخَذُ بيانُه من الأَدِلَّةِ.


(١) في "ب": "أنظار".
(٢) يعني: من أوجه المُشْكِل.
(٣) انظر هذا الوجه في: "المستصفى" للغزالي (٢/ ٣٦)، و"المحصول" للرازي (٣/ ١٥٦)، والإحكام" للآمدي (٢/ ٣/ ١٣).
(٤) انظر: "لسان العرب" (١/ ١٣٠) (مادة: قرأ).

<<  <  ج: ص:  >  >>