للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندي إنْ شاءَ اللهُ تعالى؛ فإنه بَيِّنٌ في لسانِ العربِ أنهم إذا قالوا مثلَ ذلكَ في الأعيانِ، فما الممنوعُ المحرَّم إلا الأمرُ المَقْصودُ المُنْتَفَعُ بِه من تلكَ العَيْنِ، فلو قالَ: حَرَّمْتُ عليكمُ هذهِ الفَرَسَ، عُقِل منهُ أن المرادَ تحريمُ الرُّكوبِ واللَّحْمِ، لا تحريمُ البيعِ. وكذلكَ إذا قال: حَرَّمْتُ عليكُمُ المَيْتَةَ، عُقِل منهُ أن المرادَ (١) تحريمُ أكلِها الَّذي هو مقصودٌ منها، ولم يُعْقَلْ منهُ غيرُ ذلكَ.

ونقولُ لهذا القائِل: هل تَرى العربَ لمّا خاطبهُم اللهُ تعالى بهذهِ الآيةِ، لَمْ يعرفوا مُرادَ اللهِ تبارَكَ وتعَالى، فاحْتاجوا إلى سؤالِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عن بَيانِ ذلك الشيءِ المُحَرَّمِ؟ كَلاّ، بل عَقَلوا عن اللهِ تَعالى مُرادَهُ، وعلموا أَنَّه أرادَ تَحريمَ نِكاح أُمَّهاتِهم وبَناتِهم. فمن قالَ: إنهم لم يَعْقِلوا مرادَ الله -تَعالى- في هذا الخِطاب، فقدْ جَهَّلَ العربَ بِلُغتهم، وإنما هذا من أوضح البيان عندَهُم إن شاء الله تعالى.

رابعها: الخطابُ الذي يَتَضَمَّنُ نفياً وإثباتاً في الأَعْيان؛ كقولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّما الأَعْمالُ بالنِّيَّاتِ" (٢)، وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا نِكاحَ إلا بوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وشاهِدَيْ عَدْلِ" (٣).


(١) في "ب": "أنه أراد" بدل "أن المراد".
(٢) رواه البخاري (١)، كتاب: بدء الوحي، باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومسلم (١٩٠٧)، كتاب: الإمارة، باب: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنية" عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وهذا لفظ البخاري.
(٣) رواه ابن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف" (١٧٠٢) عن جابر بن عبد الله مرفوعاً. ورواه الإمام الشافعي في "مسنده" (١/ ٢٢٠)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٧/ ١١٢) عن ابن عباس موقوفاً عليه من قوله، وهو المشهور. وانظر: "خلاصة البدر المنير" لابن الملقن (٢/ ١٨٩)، و"التلخيص الحبير" لابن حجر (٣/ ١٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>