وقال تعالى في المواريث:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} إلى أن قال: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}[النساء: ١٣ - ١٤].
فقد توعَّدَ الموليَّ يومَ الزحف بأَنَّ مأواهُ جهنمُ، والمتعديَ في حدوده بالخلود في النار.
وقد أجمعَ المسلمون على قَبول توبتِهم، فوجبَ بهذهِ الأدلَّةِ القضاءُ بآية المغفرةِ على آية العذاب.
قال قريشُ بنُ أَنسٍ: كنتُ عندَ عَمُرِو بْنِ عُبَيْدٍ في بيته، فأنشأَ يقولُ: يؤتى بي يومَ القيامة، فأُقامُ بين يَدَي الله، فيقول: قلت: إن القاتلَ في النارِ، فأقول: أنتَ قلتَ، ثم تلا هذه الآية:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا}[النساء: ٩٣]، حتى فرغ منها، فقلتُ له -وما في البيت أصغرُ مني-: أرأيتَ إن قالَ لكَ: فإني قلت: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ (١١٦)} [النساء: ١١٦] من أين علمتَ أني لا أشاءُ أن أغفرَ لهذا؟ قال: فما استطاعَ أن يردَّ عليَّ شيئاً (١).
وأما ما روي عن ابن عباسٍ وغيرهِ من السَّلَفِ -رضي الله تعالى عنهم - من قولهم: لا توبةَ للقاتلِ، فمحمولٌ على التغليظِ وتنفيرِ الناس من هذِه الكبيِرةُ؛ فإن الأولى لأهل الفَتْوى سلوكَ سبيلِ التغليظِ، ولا سيَّما في القتل.
يدلُّ على ذلك ما روي: أن سفيانَ بنَ عُيَيْنةَ سُئِلَ عن توبةِ القاتل،
(١) رواه سعيد بن منصور في "سننه" (٤/ ١٣٤٧)، والعقيلي في "الضعفاء" (٣/ ٢٨١ - ٢٨٢)، وابن قتيبة في "تأويل مختلف الحديث" (١/ ٨٣)، والبيهقي في "البعث والنشور" (١/ ٤٦)، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (١٢/ ١٨٢).