وبرهان ذلك أن مَنْ عُمّر من الصحابة عُمرا قليلا قلّ النقل عنه، ومن طال عمره منهم كثر النقل عنه إلا اليسير ممن اكتفى بنيابة غيره عنه في تعليم الناس. وقد عاش على بعد عمر سبعة عشر عاما غير أشهر، ومسند عمر خمسمائة حديث وسبعة وثلاثون حديثا، يصح منها نحو خمسين، كالذى عن على سواء، فكل ما زاد حديث علىّ علَى حديث عمر تسعة وأربعون حديثا في هذه المدة، ولم يزد عليه في الصحيح إلا حديث أو حديثان.
وفتاوى عمر موازية لفتاوى على في أبواب الفقه، فإذا نسبنا مدة من مدة، وضربا في البلاد من ضرب فيها، وأضفنا حديثا إلى حديث، وفتاوى إلى فتاوى، علم كل ذى حس علما ضروريا أن الذي كان عند عمر من العلم أضعاف ما كان عند على، ووجدنا مسند عائشة ألفى مسند ومائتى مسند وعشرة مسانيد، وحديث أبى هريرة خمسة آلاف مسند، وثلثمائة مسند، وأربعة وسبعون مسندا، ووجدنا مسند ابن عمر وأنس قريبا من مسند عائشة لكل واحد منهما، ووجدنا مسند جابر وابن عباس لكل واحد منهما، أزيد من ألف وخمسمائة، ووجدنا لابن مسعود ثمانمائة مسند ونيفا، ولكل من ذكرنا ـ حاشا أبى هريرة وأنس ـ من الفتاوى أكثر من فتاوى على أو نحوها، فبطل قول هذا الجاهل ".
إلى أن قال: " فإن قالوا: قد استعمل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليا على الأخماس وعلى القضاء باليمن؟ قلنا: نعم، لكن مشاهدة أبى بكر لأقضية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقوى في العلم وأثبت مما عند على وهو باليمن، وقد استعمل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر على بعوث فيها الأخماس، فقد ساوى علمه علم على في حكمها بلا شك، إذ لا يستعمل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا عالما بما يستعمله عليه، وقد صح أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يفتيان على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يعلم ذلك، ومحال أن يبيح لهما ذلك إلا وهما أعلم من غيرهما، وقد استعمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضا على القضاء باليمن مع على معاذا وأبا موسى الأشعرى، فلعلىّ في هذا شركاء كثير، منهم أبو بكر وعمر، ثم انفرد أبو بكر بالجمهور والأغلب من العلم ".