وأيضا فوجدناه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعمل أبا بكر على الحج، فصح ضرورة أنه أعلم من جميع الصحابة بالحج. وهذه دعائم الإسلام.
ثم وجدناه قد استعمله على البعوث، فصح أن عنده من أحكام الجهاد مثل ما عند سائر من استعمله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على البعوث، إذ لا يستعمل إلا عالما بالعمل، فعند أبى بكر من علم الجهاد كالذى عند على وسائر أمراء البعوث لا أقل.
وإذا صح التقدم لأبى بكر علَى علىّ وغيره في العلم بالصلاة والزكاة والحج، وساواه في الجهاد، فهذه عمدة للعلم.
ثم وجدناه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد ألزم نفسه في جلوسه ومسامرته وظعنه وإقامته أبا بكر، فشاهد أحكامه وفتاويه أكثر من مشاهدة على لها، فصح ضرورة أنه أعلم بها، فهل بقيت من العلم بقية إلا وأبو بكر المقدم فيها الذي لا يلحق؟ أو المشارك الذي لا يسبق؟ فبطلت دعواهم في العلم، والحمد لله رب العالمين.
وأما الرواية والفتيا، فإن أبا بكر رضي الله عنه لم يعش بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا سنتين وستة أشهر، ولم يفارق المدينة إلا حاجا أو معتمرا، ولم يحتج الناس إلى ما عنده من الرواية عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأن كل من حواليه أدركوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى ذلك كله فقد روى عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مائة حديث واثنين وأربعين حديثا مسندة، ولم يرو عن على إلا خمسمائة وستة وثمانون حديثا مسندة، يصح منها نحو خمسين حديثا. وقد عاش بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أزيد من ثلاثين سنة، فكثر لقاء الناس إياه وحاجتهم إلى ما عنده، لذهاب جمهور الصحابة، وكثر سماع أهل الآفاق، منه مرة بصفين، وأعواما بالكوفة، ومرة بالبصرة، ومرة بالمدينة، فإذا نسبنا مدة أبى بكر من حياته، وأضفنا تفرى على البلاد بلدا بلدا، وكثرة سماع الناس منه، إلى لزوم أبى بكر موطنه، وأنه لم تكثر حاجة من حواليه إلى الرواية عنه، ثم نسبنا عدد حديثه من عدد حديثه، وفتاويه من فتاويه، علم كل ذى حظ من علم أن الذي عند أبى بكر من العلم أضعاف ما كان عند على منه.