علمه في الكوفة، ومع هذا فأهل الكوفة كانوا يعلمون القرآن والسنة قبل أن يتولى عثمان، فضلا عن علىّ.
وفقهاء أهل المدينة تعلموا الدين في خلافة عمر، وتعليم معاذ لأهل اليمن ومقامه فيهم أكثر من على. ولهذا روى أهل اليمن عن مُعاذ بن جبل أكثر مما رووا عن على، وشريح وغيره من أكابر التابعين إنما تفقهوا على معاذ بن جبل. ولما قدم على الكوفة كان شريح فيها قاضيا. وهو وعبيدة السلمانى تفقها على غيره، فانتشر علم الإسلام في المدائن قبل أن يقدم على الكوفة.
وقال ابن حزم:" واحتج من احتج من الرافضة بأن عليا كان أكثرهم علما ". قال: " وهذا كذب، وإنما يعرف علم الصحابى بأحد وجهين لا ثالث لهما: أحدهما: كثرة روايته وفتاويه. والثانى: كثرة استعمال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له. فمن المحال الباطل أن يستعمل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من لا علم له. وهذه أكبر شهادة على العلم وسعته، فنظرنا في ذلك فوجدنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد ولى أبا بكر الصلاة بحضرته طول علته، وجميع أكابر الصحابة حضور، فعمر وعلى وابن مسعود وأبى وغيرهم، فهذا بخلاف استخلافه عليا إذا غزا، لأن ذلك على النساء وذوى الأعذار فقط، فوجد ضرورة أن يكون أبو بكر أعلم الناس بالصلاة وشرائعها، وأعلم المذكورين بها، وهى عمود الإسلام. ووجدناه أيضا قد استعمله على الصدقات، فوجب ضرورة أن يكون عنده من علم الصدقات كالذى عند غيره من علماء الصحابة، لا أقل، وربما كان أكثر، إذ قد استعمل غيره، وهو لا يستعمل إلا عالما بما استعمله فيه، والزكاة ركن من أركان الدين بعد الصلاة.
وبرهان ما قلناه من تمام علم أبى بكر بالصدقات أن الأخبار الواردة في الزكاة أصحها، والذى يلزم العمل به ولا يجوز خلافه فهو حديث أبى بكر، ثم الذي من طريق عمر. وأما من طريق على فمضطرب، وفيه ما قد تركه الفقهاء جملة، وهو أن في خمس وعشرين من الإبل خمسا من الشياه.