وكنا إلى الأمس القريب في ريبتين اثنتين منه: أولاهما: من هو صانع هذا الكتاب؟ أهو الشريف الرضى، أم هو أخوه المرتضى؟ والأخرى: مدى صحة هذا الحشد الهائل من الخطب والرسائل والحكم، أو بعبارة أدق: ما مدى توثيق هذا الكم الضخم ونسبته إلى الإمام على كرم الله وجهه؟ من ذا الذي يقضى في هذه المسائل؟ فإن كثيرين من علماء القرن السادس الهجرى يزعمون أن معظم هذه النصوص لا يصح إسناده إلى الخليفة الإمام، وإنما هو من صناعة قوم من فصحاء الشيعة، صنعوه ليزيدوا الناس يقينا بما عرفوه من فصاحة الإمام واقتداره، مع أن فصاحة وبلاغة وسمو بيانه لا تحتاج إلى دليل، أو تفتقر إلى برهان، وزعموا أيضا أن الشريف الرضى أو غيره من الشيعة نظموا أنفسهم في سلك هؤلاء الأقوام.
وقالوا: إنه مما يحير هذا الشك ويقويه، ما اشتمل عليه هذا الكتاب من تعريض بالصحابة في غير ما موضع: وإن السجع والصناعة اللفظية تظهر في كثير من جوانبه على خلاف المعهود في نتاج هذا العصر النبوي.
قالوا: إن فيه من دقة الوصف، وغرابة التصوير ما لم يكن معروفا في آثار الصدر الأول الإسلامي، كما أنه يطوى في جنباته كثيرا من المصطلحات التي لم يتداولها الناس بعد أن شاعت علوم الحكمة، كالأين والكيف، إلى ما فيه من لغات علم الكلام وأبحاث الرؤية الإلهية، والعد، وكلام الخالق، وما لم يكن معهودا كذلك من التقسيمات الرياضية ذات النظام.
وقالوا: إن الكتاب مشتمل على ادعاء المعرفة بالغيبيات، وهو الأمر الذي يجل قدر الإمام على بن أبى طالب وإيمانه الصريح الخالص عن التلبس له أو اصطناعه.
وأن في الكتاب تكرارا للمقاطع بالتطويل تارة، وبالإيجاز أخرى، وأن كثيرا من نصوصه لم يظهر فيما أثر من كتب الأدب والتاريخ التي صنعت قبل الشريف الرضى أو أخيه، وأن فيه تطويلا يتجاوز حد الغلو في بعض نصوصه، كعهده