قال: ما كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشكون أن أبا بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما كانوا يسمونه إلا خليفة رسول الله، وما كانوا يجتمعون على خطأ ولا ضلالة. وأيضا فالأمة اجتمعت على حقية إمامة أحد الثلاثة أبى بكر وعلى والعباس، ثم إنهما لم ينازعاه بل بايعاه، فتم بذلك الإجماع له على إمامته دونهما. إذ لو لم يكن على حق لنازعاه كما نازع على معاوية مع قوة شوكة معاوية عدة وعددا على شوكة أبى بكر، فإذا لم يبال على بها، ونازعه، فكانت منازعته لأبى بكر أولى وأحرى، فحيث لم ينازعه دل على اعترافه بحق خلافته، ولقد سأله العباس في أن يبايعه، فلم يقبل، ولو علم نصا عليه لقبل سيما ومعه الزبير مع شجاعته وبنو هاشم وغيرهم. ومر أن الأنصار كرهوا بيعة أبى بكر وقالوا منا أمير ومنكم أمير، فدفعهم أبو بكر بخبر: الأئمة من قريش، فانقادوا له وأطاعوه، وعلى أقوى منهم شوكة وعدة وعددا وشجاعة، فلو كان معه نص لكان أحرى بالمنازعة، وأحق بالإجابة، ولا يقدح في حكاية الإجماع تأخر على والزبير والعباس وطلحة مدة لأمور منها أنهم رأوا أن الأمر تم بمن تيسر حضوره حينئذ من أهل الحل والعقد، ومنها أنهم لما جاءوا وبايعوا اعتذروا كما مر عن الأولين من طرق بأنهم أخروا عن المشورة مع أن لهم فيها حقا، لا للقدح في خلافة الصديق. هذا مع الاحتياج في هذا الأمر لخطره إلى الشورى التامة، ولهذا مر عن عمر بسند صحيح أن تلك البيعة كانت فلتة، ولكن وقى الله شرها.
ويوافق ما مر عن الأولين من الاعتذار، ما أخرجه الدار قطنى من طرق كثيرة أنهما قالا عند مبايعتهما لأبى بكر: إلا أنا أخرنا عن المشورة، وإنا لنرى أن أبا بكر أحق الناس بها. إنه لصاحب الغار وثانى اثنين، وإنا لنعرف له شرفه وكبره، وفى آخرها أنه اعتذر إليهم، فقال " والله ما كنت حريصا على الإمارة يوما قط ولا ليلة، ولا كنت فيها راغبا، ولا سألتها الله عزوجل في سر ولا علانية، ولكننى أشفقت من الفتنة، ومالي في الإمارة من راحة، ولقد قلدت