وفى بعض طرقه عن عائشة: لقد راجعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك، وما حملنى على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبى أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا، ولا كنت أرى أنه لن يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به، فأردت أن يعدل ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أبى بكر. وفى حديث ابن زمعة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرهم بالصلاة، وكان أبو بكر غائبا، فتقدم عمر، فصلى، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا، لا، لا، يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر، فيصلى بالناس أبو بكر، وفى رواية عنه أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: اخرج وقل لأبى بكر يصلى بالناس، فخرج فلم يجد على الباب إلا عمر في جماعة ليس فيهم أبو بكر، فقال يا عمر: صل بالناس، فلما كبر وكان صيتا وسمع صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوته قال: يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر، يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر، يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر. وفى حديث ابن عمر: كبر عمر فسمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تكبيره فأطلع رأسه مغضبا، فقال: أين ابن أبى قحافة؟ قال العلماء: في هذا الحديث أوضح دلالة على أن الصديق أفضل الصحابة على الإطلاق، وأحقهم بالخلافة، وأولاهم بالإمامة.
قال الأشعرى:
قد علم بالضرورة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر الصديق أن يصلى بالناس مع حضور المهاجرين والأنصار مع قوله:(يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) . فدل على أنه كان أقرأهم أي أعلمهم بالقرآن. انتهى. وقد استدل الصحابة أنفسهم بهذا على أنه أحق بالخلافة، منهم عمر، ومر كلامه في فضل المبايعة. ومنهم على، فقد أخرج ابن عساكر عنه: لقد أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر أن يصلى بالناس، وإنى لشاهد وما أنا بغائب، وما بى مرض، فرضينا لدنيانا ما رضيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لديننا.
قال العلماء: وقد كان معروفا بأهلية الإمامة في زمان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأخرج أحمد وأبو داود وغيرهما عن سهل بن سعد قال: كان قتال بين بنى عمرو بن عوف، فبلغ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأتاهم بعد الظهر ليصلح بينهم، فقال يا ...