وجوابها: منع الحصر فيما عللوا به، فهو من مفترياتهم، وكم وقع للسلف والخلف التورع عن أمورهم لها أهل وزيادة، بل لا تكمل حقيقة الورع والزهد إلا بالإعراض عما تأهل له المعرض، وأما مع عدم التأهل فالإعراض واجب لا زهد، ثم سببه هنا أنه إما خشى من وقوع عجز ما منه عن استيفاء الأمور على وجهها الذي يليق بكماله له، أو أنه قصد بذلك استبانة ما عندهم، وأنه هل فيهم من يود عزله فأبرز ذلك كذلك، فرآهم جميعهم لا يودون ذلك لو أنه خشى من لعنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لإمام قوم وهم له كارهون، فاستعلم أنه هل فيهم أحد يكرهه أو لا ـ والحاصل أن زعم ذلك يدل على عدم أهليته غاية في الجهالة والغباوة والحمق فلا ترفع بذلك رأساً.
الشبهة الخامسة عشرة
زعموا أيضاً أن علياً إنما سكت عن النزاع في أمر الخلافة لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوصاه أن لا يوقع بعده فتنة ولا يسل سيفاً..
وجوابها: أن هذا افتراء كذب وحمق وجهالة مع عظيم الغباوة عما يترتب عليه، إذ كيف يعقل مع هذا الذي زعموه أنه جعله إماماً والياً على الأمة بعده ومنعه من سل السيف على من امتنع من قبول الحق؟ ولو كان ما زعموه صحيحاً لما سل على السيف في حرب صفين وغيرها، ولما قاتل بنفسه وأهل بيته وشيعته وجالد وبارز الألوف منهم وحده وأعاذه الله من مخالفة وصية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأيضاً فكيف يتعقلون أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوصيه بعدم سل السيف على من يزعمون فيهم أنهم يجاهرون بأقبح أنواع الكفر مع ما أوجبه الله من جهاد مثلهم.
قال بعض أئمة أهل البيت النبوي والعترة الطاهرة: وقد تأملت كلماتهم فرأيت قوماً أعمى الهوى بصائرهم، فلم يبالوا بما ترتب على مقالاتهم من المفاسد. ألا ترى إلى قولهم: إن عمر قاد علياً بحمائل سيفه وحصر فاطمة فهابت، فأسقطت ولدا اسمه المحسن، فقصدوا بهذه الفرية القبيحة والغباوة التي