والأحاديث الموضوعة جاوزت مئات الألوف وهم مع ذلك يعرفون واضع كل حديث منها وسبب وضعه الحامل لواضعه على الكذب والافتراء على نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجزاهم الله خير الجزاء وأكمله إذ لولا حسن صنيعهم هذا لاستولى المبطلون والمتمردون المفسدون على الدين وغيروا معالمه وخلطوا الحق بكذبهم حتى لم يتميز عنه، فضلوا وأضلوا ضلالاً مبيناً، لكن لما حفظ الله على نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شريعته من الزيغ والتبديل بل والتحريف، وجعل من أكابر أمته في كل عصر طائفة على الحق لا يضرهم من خذلهم لم يبال الدين بهؤلاء الكذبة البطلة الجهلة، ومن ثم قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تركتكم على الواضحة البيضاء ليلها كنهارها ونهارها كليلها لا يزيغ عنها بعدى إلا هالك، ومن عجيب أمر هؤلاء الجهلة أنا إذا استدللنا عليهم بالأحاديث الصحيحه الدالة صريحاً على خلافة أبى بكر كخبر: اقتدوا باللذين من بعدى وغيره من الأخبار الناصة على خلافته التي قدمتها مستوفاة في الفصل الثالث قالوا: هذا خبر واحد فلا يغنى فيما يطلب فيه
التعيين، وإذا أرادوا أن يستدلوا على ما زعموه من النص على خلافة على أتوا بأخبار تدل لزعمهم كخبر من كنت مولاه، وخبر: أنت منى بمنزلة هارون من موسى مع أنها آحاد وإما بأخبار باطلة كاذبة متيقنه البطلان واضحة الوضع والبهتان لا تصل إلى درجة الأحاديث الضعيفة التي هي أدنى مراتب الآحاد، فتأمل هذا التناقض الصريح والجهل القبيح، لكنهم لفرط جهلهم وعنادهم وميلهم عن الحق يزعمون التواتر فيما يوافق مذهبهم الفاسد، وإن أجمع أهل الحديث والأثر على أنه كذب موضوع مختلق، ويزعمون فيما يخالف مذهبهم أنه آحاد، وإن اتفق أولئك على صحته وتواتر رواته تحكماً وعناداً وزيغاً عن الحق، فقاتلهم الله ما أجهلهم وأحمقهم!
الشبهة الرابعة عشرة
زعموا أنه لو كان أهلاً للخلافة لما قال لهم أقيلونى أقيلونى لأن الإنسان لا يستقيل من الشىء إلا إذا لم يكن أهلاً له.