ثم قال: ومما يلزم من المفاسد والمساوئ والقبائح العظيمة على ما زعموه من نسبة على إلى التقية أنه كان جباناً ذليلاً مقهوراً. أعاذه الله من ذلك، وحروبه للبغاة لما صارت الخلافة له ومباشرته ذلك بنفسه ومبارزته للألوف من الأمور المستفيضه والتي تقطع بكذب ما نسبه إليه أولئك الحمقى والغلاة؛ إذ كانت الشوكة من البغاة قوية جدا، ولا شك أن بنى أمية كانوا أعظم قبائل قريش شوكة وكثرة جاهلية وإسلاما، وقد كان أبو سفيان بن حرب رضي الله عنه هو قائد المشركين يوم أحد ويوم الأحزاب وغيرهما، وقد قال لعلى لما بويع أبو بكر ما مر آنفا فرد عليه ذلك الرد الفاحش. وأيضا فبنو تميم ثم بنو عدى قوما الشيخين من أضعف قبائل قريش، فسكوت على لهما مع أنهما كما ذكر وقيامه بالسيف على المخالفين لما انعقدت البيعة له مع قوة شكيمتهم أوضح دليل على أنه كان دائراً مع الحق حيث دار، وأنه من الشجاعة بالمحل الأسنى، وأنه لو كان معه وصيه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أمر القيام على الناس لأنفذ وصية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولو كان السيف على رأسه مسلطاً، لا يرتاب في ذلك إلا من اعتقد فيه ـ رضي الله عنه ـ ما هو بريء منه.
ومما يلزم أيضا على تلك التقيه المشؤومة عليهم أنه رضي الله عنه لا يعتمد على قوله قط؛ لأنه حيث لم يزل في اضطراب من أمره، فكل ما قاله يحتمل أنه خالف فيه الحق خوفا وتقية. ذكره شيخ الإسلام الغزالى. قال غيره: بل يلزمهم ما هو أشنع من ذلك، وأقبح؛ كقولهم: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعين الإمامة إلا لعلى، فمنع من ذلك وقال: مروا أبا بكر تقية! فيتطرق احتمال ذلك إلى كل ما جاء عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يفيد حينئذ إثبات العصمة شيئاً.
وأيضا فقد استفاض عن على ـ رضي الله عنه ـ أنه كان لا يبالى بأحد حتى قيل للشافعى رضي الله عنه ما نفر الناس عن على إلا أنه كان لا يبالى بأحد، وقال الشافعى: أنه كان زاهداً لا يبالى بالدنيا وأهلها، وكان عالماً والعالم لا يبالى