للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا لما استخلفه أبو بكر، كره خلافته طائفة، حتى قال له طلحة: ماذا تقول لربك إذا وليت علينا فظا غليظا؟ فقال: أبا لله تخوفنى؟ أقول: وليت عليهم خير أهلك.

فإذا كان أهل الحق مع علىّ، وأهل الباطل مع علىّ، فمن الذي يغلبه إذا كان الحق معه؟ وهب أنهم إذا قاموا لم يغلبوا، أما كانت الدواعى المعروفة في مثل ذلك توجب أن يجرى في ذلك قيل وقال ونوع من الجدال؟ أوليس ذلك أولى بالكلام فيه من الكلام في ولاية سعد؟ فإذا كانت الأنصار بشبهة لا أصل لها طمعوا أن يتأمر سعد، فمن يكون فيهم المحق؟

ونص الرسول الجلى كيف لا يكون أعوانه أطمع في الحق؟ فإذا كان لم ينبز متكلم منهم بكلمة واحدة في ذلك، ولم يّدع داع إلى علىّ: لا هو ولا غيره، واستمر الأمر على ذلك، إلى أن بويع له بعد مقتل عثمان، فحينئذ قام هو وأعوانه فطلبوا وقاتلوا ولم يسكتوا، حتى كادوا يغلبوا ـ عُلم بالاضطرار أن سكوتهم أولا كان لعدم المقتضى، لا لوجود المانع، وأن القوم لم يكن عندهم علم بأن عليا هو الأحق، فضلا عن نص جلى، وأنه لما بدا لهم استحقاقه قاموا معه، مع وجود المانع.

وقد كان أبو بكر رضي الله عنه أبعدهم عن الممانعة من معاوية بكثير كثير، لو كان لعلىّ حق. فإن أبا بكر لم يدع إلى نفسه، ولا أرغب ولا أرهب، ولا كان طالبا للرئاسة بوجه من الوجوه، ولا كان في أول الأمر يمكن أحداً القدح في علىّ كما أمكن ذلك بعد مقتل عثمان، فإنه حينئذ نسبه كثير من شيعة عثمان إلى أنه أعان على قتله، وبعضهم يقول: خذله. وكان قتلة عثمان في عسكره، وكان هذا من الأمور التي منعت كثيرا من مبايعته.

وهذه الصوارف كانت منتفية في أول الأمر، فكان جنده أعظم، وحقه إذ ذاك ـ لو كان مستحقا ـ أظهر، ومنازعوه أضعف داعياً وأضعف قوة، وليس

<<  <   >  >>