الثالث " ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه وتجوز حكايته لما تقدم، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر دينى، ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيراً، ويأتى عن المفسرين خلاف بسبب ذلك، كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم، وعدتهم، وعصا موسى من أي الشجر كانت، وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة، ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى، إلى غير ذلك مما أبهمه الله في القرآن مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم، ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز، كما قال تعالى:{سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا} .
وقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام، وتعليم ما ينبغى في مثل هذا. فإنه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوال، ضعف القولين الأولين، وسكت عن الثالث، فدل على صحته؛ إذ لو كان باطلاً لرده كما ردهما، ثم أرشد إلى أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فيقال في مثل هذا:{قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم} فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس ممن أطلعه الله عليه؛ فلهذا قال:{فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا ... } أي لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك، فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب.
فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف: أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن ينبه على الصحيح منها، ويبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته؛ لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته، فيشتغل به عن