النقدى، أو الأثرى النظرى التي سار عليها بعده ابن جرير الطبري واشتهر بها.
ذلك هو تفسير يحيى بن سلام التميمى البصرى الأفريقى المتوفى سنة ٢٠٠، وهو تفسير يقع في ثلاثين جزءاً من التجزئة القديمة، أي في ثلاث مجلدات ضخمة، مبنى على إيراد الأخبار مسندة، ثم تعقبها بالنقد والاختيار. فبعد أن يورد الأخبار المروية مفتتحاً إسنادها بقوله:" حدثنا " يأتى بحكمه الاختيارى مفتتحاً بقوله: " قال يحيى "، ويجعل مبنى اختياره على المعنى اللغوى، والتخريج الإعرابى، ويتدرج من اختيار المعنى إلى اختيار القراءة التي تتماشى وإياه، مشيراً إلى اختياراته في القراءة بما يقتضى أن له رواية أو طريقاً لا يبعد أن تكون راجعة إلى قراءة أبى عمرو بن العلاء البصرى، لأن يحيى بن سلام بصرى النشأة، وإلى طريقه المختار في القراءة يشير في تفسيره بقوله:" والذى في مصحفنا ".
وقد نص ابن الجزرى على أن هذا الكتاب سمع من مؤلفه بإفريقيا، وشهد بأنه كتاب ليس لأحد من المتقدمين مثله، وكذلك نقل عن إمام القراءات أبى عمرو الدانى أنه قال:" ليس لأحد من المتقدمين مثل تفسير ابن سلام ". وذلك ينطق بسبقه إلى طريقه، وابتكاره منهجاً. وقد تلقى هذا التفسير عن مؤلفه فقيه أفريقى هو أبو داود العطار المتوفى سنة ٢٤٤.
وتوجد من هذا التفسير لبلادنا التونسية نسخة عظيمة القدر موزعة الأجزاء، نسخت منذ ألف عام تقريبا، منها: مجلد يشتمل على سبعة أجزاء بالمكتبة العبدلية بجامع الزيتونة الأعظم، وآخر يشتمل على عشرة أجزاء بمكتبة جامع القيروان، ومن مجموعهما يتكون نحو الثلثين من جملة الكتاب. ويوجد جزء آخر لعله يتمم بعض نقص النسخة، هو من المقتنيات الخاصة لبعض العلماء الأفاضل.
ولعل فذاذة هذه النسخة التونسية هو الذي يعتذر به للذين أهملوا شأن ابن سلام في مراحل التفسير، وإن كان التعريف بها حاصلاً منذ أكثر من خمسين سنة،