إدخال عنصر شخصى من النقد والتقدير، والإسقاط والتحصيل، أو الجمع والتأويل، ينتهى إلى حكم موضوعى فاصل بحسب اجتهاد المؤلف، وتقديره، تتخذ له تلك الأخبار المتخالفة أسانيد ومقومات للاستنتاج كما يتخذ مجموع البينات المتعارضة مع ما يتصل بها من وسائل الإثبات سنداً لقضاء القاضى.
وكانت أهم العناصر المرجوع إليها، بالإضافة إلى عنصر الروايات الواردة، عنصرين يتصلان مباشرة باللفظ القرآنى: هما عنصر القراءة وعنصر الإعراب.
حلقة الاتصال بين القرنين الأول والثالث:
وبعد أن تحدث عن العنصرين، وصلة كل منهما بالتفسير، قال:
" وإنه لمما يجدر التنبيه إليه في هذا المقام: أن الذين يشيرون إلى هذه الطريقة وخصائصها من الكاتبين حديثاً في تاريخ التفسير، يبادرون إلى ضرب المثل بتفسير محمد بن جرير الطبري، فيقطعون بذلك اتصال سلسلة التطور في الأوضاع التفسيرية بين القرن الأول والقرن الثالث بإضاعة الحلقة من تلك السلسلة التي تمثل منهج التفسير في القرن الثاني، لأن تفسير ابن جرير الطبري ألف في أواخر القرن الثالث، وصاحبه توفى أوائل القرن الرابع، والحال أن الحلقه التي يتم بها اتصال السلسلة وضاعت عن الكاتبين المحدثين في تاريخ التفسير: من المستشرقين وغير المستشرقين، هي حلقة أفريقية تونسية، بالوقوف عليها يتضح كيف تطور فهم التفسير عما كان عليه في عهد ابن جريج، إلى ما أصبح عليه في تفسير الطبري، ويتضح لمن كان الطبري مديناً له بذلك المنهج الأثرى النظرى الذي درج عليه في تفسيره العظيم.
وإنما نعنى بهذا تفسيراً جليلاً من صميم آثار القرن الثاني، وهو أقدم التفاسير الموجودة اليوم على الإطلاق، ألف بالقيروان وروى فيها، وبقيت نسخته الوحيده بين تونس والقيروان، وهو الذي يعتبر مؤسس طريقة التفسير