للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولو نصبت السورة على قولك: أنزلناها سورة وفرضناها كما تقول: مجرداً ضربته كان وجهاً. وما رأيت أحداً قرأ به (١) .

وفى سورة النمل قال الفراء:

وقوله: {إِنِّي لَا يخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ... } ثم استثنى فقال: {إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ} فهذا مغفور له. فيقول القائل كيف صُير خائفاً؟ قلت: في هذه وجهان: أحدهما أن تقول: إن الرسل معصومة مغفور لها آمنة يوم القيامة. ومن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً يخاف ويرجو: فهذا وجه. والآخر أن تجعل الاستثناء من الذين تُركوا في الكلمة؛ لأن المعنى: لا يخاف المرسلون إنما الخوف على غيرهم.

ثم استثنى فقال: إلا من ظلم فإن هذا لا يخاف، يقول: كان مشركاً فتاب وعمل حسناً فذلك مغفور له ليس بخائف.

وقد قال بعض النحويين: إن " إلا " في اللغة بمنزلة الواو، وإنما معنى هذه الآية: لا يخاف لدى المرسلون ولا من ظلم ثم بدل حسناً، وجعلوا مثله قول الله: {لِئلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ ... } أي ولا الذين ظلموا. ولم أجد العربية تحتمل ما قالوا، لأنى لا أجيز قام الناس إلا عبد الله، وهوقائم؛ إنما الاستثناء أن يخرج الاسم الذي بعد إلا من معنى الأسماء قبل إلا. وقد أراه جائزاً أن تقول: عليك ألف سوى ألف آخر، فإن وضعت " إلا " في هذا الموضع صلحت وكانت " إلا " في تأويل ما قالوا. فأما مجردة قد استثنى قليلها من كثيرها فلا. ولكن مثله مما يكون في معنى إلا كمعنى الواو وليست بها.


(١) راجع ص ٢٤٣، ٢٤٤.

<<  <   >  >>