فأما إذا وجهنا {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ... } إلى أنها من نعت، {الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم} ، فلا حاجة بسامعه إلى الاستدلال، إذ كان الصريح من معناه قد أغنى عن الدليل.
وقد يجوز نصب {غَيرِ} في {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ} ، وإن كنت للقراءة بها كارهاً لشذوذها عن قراءة القراء. وإن ما شذ من القراءات عما جاءت به الأمة نقلا ظاهراً مستفيضاً، فرأى للحق مخالف، وعن سبيل الله وسبيل رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسبيل المسلمين متجانف. وإن كان له ـ لو كان جائزاً القراءة به ـ في الصواب مخرج.
وتأويل وجه صوابه إذا نصبت: أن يوجه إلى أن يكون صفة للهاء والميم اللتين في {عَلَيهِمْ} ، العائدة على {الَّذِينَ} . لأنها وإن كانت مخفوضة بـ {عَلَي} فهى في محل نصب بقوله { ... أَنعَمتَ} . فكان تأويل الكلام ـ إذا نصبت {غَيرِ} التي مع {المغضُوبِ عَلَيهِمْ} ـ: صراط الذين هديتهم إنعاما منك عليهم، غير مغضوب عليهم، أي لا مغضوبا عليهم ولا ضالين. فيكون النصب في ذلك حينئذ، كالنصب في {غَيرِ} في قولك: مررت بعبد الله غير الكريم ولا الرشيد، فتقطع " غير الكريم " من " عبد الله "، إذ كان " عبد الله " معرفة موقتة، و" غير الكريم " نكرة مجهولة.
وقد كان بعض نحويى البصريين يزعم أن قراءة من نصب {غَيرِ} في {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ} ، على وجه استثناء {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ} من