يكون كل ما كان فيه من ذلك لغيره سبب، فالحق فيه أن يكون مضافاً إلى مسببه. ولو وجب ذلك، لوجب أن يكون خطأ قول القائل:" تحركت الشجرة "، إذْ حَّركتها الريح؛ و" اضطربت الأرض "، إذ حركتها الزلزلة، وما أشبه ذلك من الكلام الذي يطول بإحصائه الكلام.
وفى قول الله جل ثناؤه:{حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم ... } ... " سورة يونس: ٢٢ " بإضافته الجرى إلى الفلك، وإن كان جريها بإجراء غيرها إياها ـ ما دل على خطأ التأويل الذي تأوله من وصفنا قوله في قوله " ولا الضالين"، وادعائه أن في نسبة الله جل ثناؤه الضلالة إلى من نسبها إليه من النصارى، تصحيحاً لما ادعى المنكرون: أن يكون لله جل ثناؤه في أفعال خلقه سبب من أجله وجدت أفعالهم، مع إبانة الله عز ذكره نصاً في أي كثيرة من تنزيله، أنه المضل الهادي، فمن ذلك قوله جل ثناؤه:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ... }" سورة الجاثية: ٢٣ ". فأنبأ جل ذكره أنه المضل الهادي دون غيره.
ولكن القرآن نزل بلسان العرب على ما قدمنا البيان عنه في أول الكتاب، ومن شأن العرب إضافة الفعل إلى من وجد منه ـ وإن كان مسببه غير الذي وجد منه ـ أحياناً، وأحياناً إلى مسببه، وإن كان الذي وجد منه الفعل غيره. فكيف بالفعل الذي يكتسبه العبد كسباً، ويوجده الله جل ثناؤه عيناً منشأة؟ بل ذلك أحرى أن يضاف إلى مكتسبه؛ كسباً له، بالقوة منه عليه، والاختيار منه له ـ وإلى الله جل ثناؤه، بإيجاد عينه وإنشائها تدبيراً.