مسندا، وصنف نعيم بن حماد الخزاعى مسندا، ثم اقتفى الحفاظ آثارهم: فصنف الإمام أحمد مسندا، وكذلك إسحاق بن راهويه وعثمان بن أبى شيبة، وغيرهم. ولم يزل التأليف في الحديث متتابعا إلى أن ظهر الإمام البخارى وبرع في علم الحديث وصار له فيه المنزلة التي ليس فوقها منزلة، فأراد أن يجرد الصحيح ويجعله في كتاب على حدة ليخلص طالب الحديث من عناء البحث والسؤال، فألف كتابه المشهور وأورد فيه ما تبين له صحته. وكانت الكتب قبله ممزوجا فيها الصحيح بغيره بحيث لا يتبين للناظر فيها درجة الحديث من الصحة إلا بعد البحث عن أحوال رواته وغير ذلك مما هو معروف عند أهل الحديث، فإن لم يكن له وقوف على ذلك اضطر إلى أن يسأل أئمة الحديث عنه. فإن لم يتيسر له ذلك بقى ذلك الحديث مجهول الحال عنده، واقتفى أثر الإمام البخارى في ذلك الإمام مسلم ابن الحجاج. وكان من الآخذين عنه والمستفيدين منه، فألف كتابه المشهور، ولقب هذان الكتابان بالصحيحين، فمعظم انتفاع الناس بهما، ورجعوا عند الاضطراب إليهما، وألفت بعدهما كتب لا تحصى، فمن أراد البحث عنها فليرجع إلى مظان ذكرها.
هذا وقد توهم أناس مما ذكر آنفا أنه لم يقيد في عصر الصحابة وأوائل عصر التابعين بالكتابة شىء غير الكتاب العزيز، وليس الأمر كذلك، فقد ذكر بعض الحفاظ أن زيد بن ثابت ألف كتابا في علم الفرائض، وذكر البخارى في صحيحه أن عبد الله بن عمرو كان يكتب الحديث ... إلخ. ا. هـ
والتوهم الذى أشار إليه صاحب توجيه النظر أنه ليس له أساس علمى، وكان المنهج العلمي والواقع العملى يستلزمان إزالة هذا التوهم، فلم يقف الأمر عند ثبوت الكتابة عن طريق الأخبار الصحيحة، بل وصل إلينا بعض ما كتب، وطبع وانتشر: مثال هذا صحيفة همام بن منبه التي كتبها سماعا من راوية الإسلام الأول أبى هريرة رضى الله تعالى عنه، نقلا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد نشرها المجمع العلمي العربى بدمشق، وطبعت عدة مرات بتحقيق الدكتور محمد حميد الله،